للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أي معيار نعتمد في التقويم:

سبق أن ذكرنا أننا لا نلجأ إلى القيمة عند وجود الغبن الفاحش، وفي حالة رجوعنا إلى القيمة لا بد أن نضع موازين دقيقة ومعايير معقولة للتقويم حتى يتبين لنا الفرق بين قيمتي العملة الورقية في الورقتين: وقت القبض، ووقت إرادة الرد، ولنا لمعرفة ذلك معياران:

المعيار الأول: الاعتماد على السلع الأساسية مثل الحنطة والشعير واللحم والأرز بحيث نقوم المبلغ المطلوب من النقود الورقية عند إنشاء العقد كمن كان يشتري به من هذه السلع الأساسية، ثم نأتي عند الرد أو الوفاء بالالتزام إلى القدر الذي يشترى به الآن من هذه السلع، فحينئذ يتضح الفرق، وهذا ما يسمى بسلة السلع والبضائع، وهي معتبر في كثير من الدول الغربية يعرفون من خلالها التضخم ونسبته، ويعالجون على ضوئها آثار التضخم ولا سيما في الرواتب والأجور.

ويشهد على هذا الاعتبار أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل دية الإنسان – وهو أعلى ما في الوجود – الإبل، مع وجود النقدين – الدراهم والدنانير – في عصره.

ولا يقال: إن السبب في ذلك هو أن الإبل كانت السلعة الغالبة لدى العرب. وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، قومها عليهم بالذهب أو الفضة، كما ذكر العلماء أن الإبل قد عزت عندهم، ومع ذلك لم يجعل الذهب، أو الفضة أصلا في الدية، ومن هنا زادهما حسب قيمة الإبل، فقد روى أبو داود وغيره بسندهم عن عمرو وبن شعيب عن أبيه عن جده قال ((كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني مائة دينار، وثمانية آلاف درهم ... وكان ذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال: (ألا إن الإبل قد غلت) قال: ففرضها، على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا)) (١) . قال الخطابي: (وإنما قومها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل القرى لعزة الإبل عندهم فبلغت القيمة في زمانه من الذهب ثمانى مائة، ومن الورق ثمانية آلاف درهم فجرى الأمر كذلك إلى أن كان عمر، وعزت الإبل في زمانه، فبلغ بقيمتها من الذهب ألف دينار، ومن الورق اثنا عشر ألفا) (٢) .


(١) سنن أبي داود مع العون – كتاب الديات: ١٢/٢٨٤، ورواه مالك بلاغا في الموطأ: ٢/٥٣٠
(٢) عون المعبود: ١٢/٢٨٥

<<  <  ج: ص:  >  >>