للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل نقودنا الورقية مثل الدراهم الفضية والدنانير الذهبية في كل الأحكام؟ هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه عند بحث أحكام النقود ولاشك أن الجواب عنه بالسلب أو بالإيجاب أو بالتفصيل يكون هو الأساس في أي حل يراد.

فقد ذهب العلماء الذين عاصروا مولد النقود الورقية إلى أنها ليست مثل النقود المعدنية على الإطلاق ولذلك قال بعضهم بعدم وجوب الزكاة فيها ثم حينما اتضح الأمر بعض الشيء أفتى الكثيرون بوجوب الزكاة فيها (١) . ولو دققنا النظر في هذا الخلاف لوجدنا خلاف عصر وأوان لا خلاف حجة وبرهان، لذلك لم يعد للتكييف السابق باعتبارها سندات ديوان أي مبرر بعد ما صارت أثمانا بالعرف ونالت ثقة الناس، ولكنها مع ذلك لا يمكن القول بأن النقود الورقية أصبحت مثل النقود الذهبية في جميع الأحكام وذلك لأن كثيرا من الفقهاء لم يعطوا جميع أحكامها للنقود المغشوشة على الرغم من رواجها وكذلك لم يعاملوا الفلوس معاملة الذهب والفضة حتى وإن راجت (٢) .

وكذلك الأمر في نقودنا الورقية حيث تختلف النقود الذهبية والفضية فيما يأتي:

١- أن الدنانير والدراهم نقدان ذاتيان ضامنان للقيمة في حد ذاتهما في حين أن العملة الورقية نقد حسب العرف والاصطلاح.

٢- أهما لا ينسأ مع نقديتهما باعتبار أن الزيادة في وزنهما زيادة في قيمتهما وقد أثار إلى ذلك الحديث الصحيح " وزنا بوزن " ولا يلاحظ ذلك في النقود الورقية.

٣- أنهما لو ألغيت نقديتهما بقيت مثيلتهما وقيمتهما في حين أن العملات الورقية لو ألغيت لما بقيت فيها أي فائدة.

٤- لا خلاف بين علمائنا المعاصرين في أن نقودنا الورقية تقوم بالذهب أو الفضة أو غيرهما لمعرفة نصاب الزكاة فيها , في حين أن نصاب الدراهم والدنانير ثابت ولا يحتاج منه إلى تقدير بآخر بل يقوم بهما غيرهما (٣) .

٥- أن المعاصرين جميعا متفقون على أن نقد كل بلد جنس بذاته ولذلك يجري فيه التفاضل فيها لو بيع بنقد بلد آخر وما ذلك إلا لرعاية القيمة في حين أن الدراهم والدنانير لا يلاحظ فيهما البنك الذي أصدرها.

٦- أن النقود الورقية كانت مغطاة في أساسها بالذهب ولا يزال الاقتصاد الخاص بالدولة التي تصدرها له علاقة بقوتها وضعفها ولا يؤخذ هذا في الدراهم والدنانير.

٧- حينما ألغى الفقهاء رعاية القيمة في المثليات مثل الذهب والفضة والحنطة والشعير نظروا إلى أنها تحقق الغرض المقصود سواء رخص سعرها أم غلا، أما النقود الورقية فقيمتها في قوتها الشرائية.

٨- أن الاقتصاديين يكادون يتفقون على أن مشكلة التضخم التي يعانى منها ولدت في أحضان النقود الورقية ولم يحصل مثلها عند سيادة النقود المعدنية النفيسة.


(١) يراجع في تفصيل ذلك فتح العلي المالك للشيخ عليش:١/ ١٦٤-١٦٥ والفتح الرباني مع شرحه للساعاتي: ٨/ ٢٥ والفقه على المذاهب الأربعة:١ /١٥وفقه الزكاة للشيخ الدكتور القرضاوي ١/ ٢٧١
(٢) يراجع الهداية مع شرح فتح القدير وشرح العناية: ٧/ ١٥٢-١٥٣ وحاشية ابن عابدين ٥/ ٢٦٦
(٣) راجع فقه الزكاة: ١/٢٦٩

<<  <  ج: ص:  >  >>