مما سبق يتضح لنا أن هناك عدة آراء حول الإلزام بالوعد. فالبعض يرى أن الوعد ملزم والبعض الآخر لا يرى ذلك، وآخرون يرون أن الوفاء بالوعد ملزم ديانة وآخرون يرونه – الوفاء بالوعد - ملزم قضاء، هذا من وجهة نظر الفقهاء الشرعيين.
أما من وجهة نظر القوانين المدنية الوضعية فنجد أن القانون المدني الأردني قد نص صراحة في المادة ١٠٦ منه بأن الوعد الصادر من الآمر بالشراء ملزم، وينفرد هذا القانون بهذا النص الصريح نظرًا لحداثة هذا القانون، ومن ثم استطاع أن يدرج فيه نصًّا صريحًا لهذه الواقعة الحديثة أيضًا وهي بيع المرابحة للآمر بالشراء ومدى التزام الآمر بالشراء بالوعد.
أما القانون المدني المصري ويشاركه أيضًا القانون السوري والقانون الليبي والقانون العراقي – فقد نص على أن الوعد بالتعاقد عبارة عن عقد كامل لا مجرد إيجاب، ولكنه عقد تمهيدي لا عقد نهائي، فهو خطوة نحو التعاقد النهائي، فواجب أن يكون الطريق مهيأ لإبرام العقد النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود له، فإذا كان العقد الموعود بإبرامه عقد بيع فإن الموعود له بالبيع لا يكسب إلا حقًّا شخصيًّا في ذمة الواعد، ولا تنتقل إليه ملكية الشيء الموعود ببيعه.
وإذا هلك الشيء المبيع تحمل الواعد تبعة هلاكه لا لأنه لم يسلمه إلى المتعاقد الآخر (المشتري) فحسب كما في العقد النهائي بل أيضًا؛ لأنه لا يزال المالك.
ومن روح نص القانون المدني المصري – وكذا القوانين العربية سالفة الذكر- نجد أن الوعد بالتعاقد عقد كامل لا مجرد إيجاب وهو خطوة نحو التعاقد النهائي، ومن ثم ففيه شيء من الإلزام للواعد. حيث إنه في حالة نكوله عن تنفيذ الوعد يحق للطرف الآخر مقاضاته طالبًا التنفيذ، ومتى كانت الشروط اللازمة لتمام العقد متوافرة قام الحكم متى حاز قوة الأمر المقضي به مقام العقد، ومن ثم لا حاجة لإبرام العقد النهائي؛ لأن الحكم قام مقامه.
أما بالنسبة للبنوك الإسلامية فنجد أن العميل يسير في معظمها على أن الوعد بالشراء ملزم للواعد، وذلك عدا القليل منها حيث يرون أن الوعد بالشراء غير ملزم للمشتري، وأن له الخيار، مع إلزام البنك بالوعد.
ونحن نختار الرأي الذي يرى أن الوفاء بالوعد ملزم لكل من البنك والمشتري الآمر بالشراء من حيث إنه ملزم قضاء طبقًا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقًا لأحكام المذاهب الأخرى (١) وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه. ذلك هو الصالح العام لكلا الطرفين وكذا لاستقرار المعاملات والمحافظة على المؤسسات المالية الإسلامية.
(١) يشير البعض إلى أن الإمام الشافعي في كتاب الأم يرى أن الواعد بالشراء ليس ملزمًا وإنما مخير في ذلك. انظر الموسوعة العلمية للبنوك الإسلامية – الجزء الخامس- ص ٣٣٢