في حين نادى البعض الآخر بضرورة تحديد النسل والحرص عليه والإسراع به قبل أن تحل الكارثة التي لا يستبعد أن تصيب العالم كله، ويبني نظريته على حسابات عدة يدخل فيها الاقتصاد والإنتاج والتشغيل والإسكان وفتح المدارس وإقامة المستشفيات وتعبيد الطرقات وبناء المسارح والملاهي ونصب المحاكم وتخصيص السجون ... و ... و ... و ... حتى أمر المناخ وكمية الأوكسجين في الهواء أصبحت مهددة بتزايد النسل تزايدا لا يخضع للمقاييس المحددة.
وكما أشاد الفريق الأول بالمكثرين من النسل ونوه بخصالهم وليكونوا أسوة لمن سواهم، فقد توسع في البذل والعطاء لهؤلاء المستجيبين ورفع من درجاتهم الاجتماعية حتى عادت الأسر تتباهى بعدد الأبناء وكثرتهم بقلة العدد.
كما أشاد الفريق الثاني بالمقلين من الإنجاب واعتبروا فيهم مثالا للتحضر والمعاصرة وسموهم بالواعين والمنسجمين مع حياة الرقي وقالوا عنهم بالفرنسية (Les gens biens) يعني (الناس الكيسون الظرفاء) وبذلوا لهم وسائل الحد من الإخصاب مجانا من ميزان الدولة وأخفوا عنهم ما تخلفه الأدوية والآلات التي توضع في الأرحام من انعكاسات سيئة، وألزموا الأطباء والأعوان الصحيين بأن يغيروا الحقائق العلمية، وأوكلوا أمر العناية بتحديد النسل وتقليله إلى وزارات أو إلى دواوين مجت الأسماع أساليبها الدعائية واشمأزت الأذواق والأخلاق من شعاراتها السمجة وتوضيحاتها وبياناتها المثيرة للسخط والمنفرة، ورغم الإنفاق السخي والمجانية الكاملة لمن يقبلون ورغم العقوبة بالحرمان من بعض المنح والعلاوات لمن يزيدون على الولد الثالث، فإن الحصيلة بقيت هزيلة باعترافهم وبقيت النسبة المؤملة في تحديد النسل تتراءى لهم بعيدة المنال..
فهل يجوز أن نسكت ونترك أمر الإنجاب والتناسل موكولا لاجتهاد زوج غير مسؤول أو لشهوة زوجة ناشز أو لحكم السياسة تعتد برأيها ولا تعتبر أحكام الدين ولا اجتهاد العلماء الذين لا يخشون في الحق لومة لائم؟
اللهم إنه لا يجوز أن نسكت عن هذا التذبذب والتسيب، بل علينا أن نقول للمسلمين ما قاله شرعهم ثم ندعو أن يوفقنا الله وإياهم إلى الهدى وصراط الله المستقيم صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين – آمين.