للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن بريدة أنه قال:

كنت جالسًا عند عمر إذ سمع صائحة , فنادى غلامه , وقال له: انظر ما هذا الصوت. فنظر ثم جاء , فقال: جارية من قريش تباع أمها. فقال عمر: ادع لي المهاجرين والأنصار. فلم يمكث ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة , فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أما بعد , فهل كان في ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم القطيعة؟

قالوا: لا.

قال: فإنها أصبحت فيكم فاشية. ثم قرأ:

{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (١)

ثم قال: وأي قطيعة أفظع من أن تباع أم امرئ منكم وقد أوسع الله لكم؟

قالوا: فاصنع ما بدا لك.

فكتب إلى الآفاق: ألا تباع أم حر , فإنها قطيعة , وأنه لا يحل. فهو رضي الله عنه يجتهد ويتتبع مسالك العلة ويراعي المصلحة , ويستشير أصحابه , ويبدي رأيه معللًا إياه بما اقتضته المصلحة العامة , ثم يأتي بالتنفيذ. فقد كان - رضي الله عنه - يفهم الإسلام ومقاصده , ويطبق أحكامه بنظرة واعية وبصيرة نافذة وسعي لخير الأمة وتحقيق مصالحها العامة.

ونقل أن سيدنا عليا كرم الله وجهه هم بالإذن ببيع أمهات الأولاد , وقال: إن عمل عمر كان رأيًا وافقناه عليه , فقال له قاضيه عبيدة السلماني: يا أمير المؤمنين , رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك. فقال علي: اقضوا كما كنتم تقضون , فإني أكره الخلاف.

وسيدنا عمر - رضي الله عنه - يراعي المصلحة العامة ويقدمها على مصالح الأفراد ويتخذ الحكم المناسب.


(١) محمد: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>