فالصحابة رضوان الله عليهم راعوا المصالح ورتبوا عليها أحكامًا من غير قياس على حوادث خاصة حدثت زمن التنزيل:
أ) فهذا أبو بكر رضي الله عنه جمع صحف القرآن المتفرقة , ولم يجمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذلك فيما روى الإمام البخاري عن عبيد بن السياق أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أرسل إلي أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عنده , فقال: إن القتل قد اسحعر يوم اليمامة بقراء القرآن , وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن , وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.
قلت لعمر: كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير.
فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت الذي رأى عمر , قال زيد: قال لي أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك , وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فتتبع القرآن فاجمعه. (١)
وأبو بكر - رضي الله عنه - يحارب مانعي الزكاة ولم يحارب أحد من قبل جماعة من المسلمين؛ وذلك لأن المصلحة مصلحة الجماعة دعت لهذه الحرب وهو نفسه - رضي الله عنه - يشرح العلة وسبب الحكم.
ب) وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يراعي المصلحة في أحكامه فقد أسقط سهم المؤلفة قلوبهم من الصدقات لزوال العلة ولوجود المصلحة , كما أسقط لنفس الغرض حد السرقة في عام المجاعة كما منع بيع الإماء أمهات الأولاد.
روي عن جابر - رضي الله عنه - أنه قال: كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد , والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا يرى في ذلك بأسًا , وكذلك في زمن أبي بكر , فلما كان عمر , نهانا فانتهينا.
(١) ابن حجر: فتح الباري ١٠ /٣٨٤.