من ذلك وضع القيود في كيفية تداول بعض السلع الغذائية التي هي ضرورية لفائدة الناس في يومهم القريب وتحريم احتكارها ومنع تداولها , فالفرد وإن كان من حقه الاتجار والاقتناء والربح , فإنه ليس من حقه أن يتحكم بسبب ثرائه وقوته المالية في الحياة الاقتصادية بإلحاق الأذى والمضرة بالضعفاء والمساكين. قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يحتكر إلا خاطئ)) .
جاء في شرح الزرقاني على مختصر خليل في باب البيع:٥/٤:
للشخص أن يشتري وقت السعة قوت سنة أو أكثر، لا بوقت الضيق , فإنما يشتري ما لا يضيق على غيره كقوت شهر أو أيام , فإن اشترى ما يضيق أو اشترى كثيرًا وقت السعة , ثم حصل للناس ضرر , وجب عليه بيع ما زاد على قوته وقوت من تلزمه نفقته إن خيف بحبسه إتلاف المهج. باتفاق الباجي والقرطبي وابن رشد , فإن مست الحاجة ولم يكن الخوف المذكور , بل دونه , وجب عند ابن رشد. وقال الباجي: لا. واتفق على جواز احتكار غير الطعام كصوف وكتان , حيث لا ضرر على الناس في احتكاره , وفي الطعام حيث لا ضرر خلاف.
وعلق البناني في حاشيته على الزرقاني بقوله:
من اشترى ما يضيق على الناس فإنه يؤخذ منه بالسعر الذي اشتراه به , وأما من اشتراه وقت السعة , فإنه يؤخذ منه بسعر وقته.
وقول الزرقاني: وفي الطعام حيث لا ضرر خلاف ما قال المازري: قال ابن القاسم وابن وهب: سئل مالك عن التربص بالطعام وغيره رجاء الغلاء , قال: ما سمعنا فيه بنهي , ولا أرى بأسًا أن يحبس إذا شاء , ويبيع إذا شاء , ويخرجه إلى بلد آخر. وقال ابن العربي: إذا كثر الجالبون للطعام وكانوا إن لم يشتر منهم ردوه , كانت الحكرة مستحبة.
وعلى كل فإن القاعدة هي وقوف التشريع في وجه المضر بالناس المتجاوز لحقه في اتجاره , وهذا ما يفيده النقل السابق.