للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيثار بالنفس:

تعرض بعض العلماء للإيثار بالنفس، ونورد فيما يلي بعضاً من ذلك ثم نورد تحليلاً لما ورد بشأنه:

يقول ابن العربي ومثله القرطبي (١) : (الإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال وإن عاد إلى النفس، ومن الأمثال السائرة: والجود بالنفس أقصى غاية الجود (٢) ومن عبارات الصوفية في حد المحبة: أنها الإيثار، ألا ترى أن امرأة العزيز لما تناهت في حبها ليوسف عليه السلام آثرته على نفسها بالتبرئة، فقالت: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} ثم قال: وأفضل الجود بالنفس الجود على حماية الرسول صلى الله عليه وسلم ففي الصحيح أن أبا طلحة ترس على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ((وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع ليرى القوم، فيقول له أبو طلحة: لا تشرف يا رسول الله، لا يصيبونك، نحري دون نحرك. ووقى بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم فَشَلَّتْ)) .

وكلام هذين العالمين الجليلين في هذا المقام هل يعني أن الإنسان يحل له أن يؤثر غيره على نفسه بحياته، أو بعضو من أعضائه؟؟

وأقول للإجابة على ذلك:

أولاً: إن الآية الكريمة كانت في الإيثار بالمال، أي: بحظوظ الدنيا ولذائذها ـ كما قال المفسرون، وكما عرفوا به الإيثار ـ طلباً ورغبة في النعيم الأخروي، ولم تكن في تقديم عضو من أعضاء الإنسان لغيره.


(١) أحكام القرآن للقرطبي: ج ١٨، ص ٢٨، ولابن العربي: جزء ٢ ص ٢٤٦، والجصاص: ج٣ ص ٤٣٤.
(٢) هو بيت من الشعر لمسلم بن الوليد صدره (تجود بالنفس إذ أنت الضنين بها) . يقول: تجود بالنفس في الحرب إذ أنت الضنين بها في الدم، ويروى أن صدره: (يجود بالنفس إذ ضن الجواد بها) وهذا البيت من الشعر لا يصلح دليلاً على حكم شرعي فإيراده هنا لا محل له حين الاستدلال على الأحكام الشرعية

<<  <  ج: ص:  >  >>