للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يكون فيه الإيثار

على ضوء ما أورده العلماء فيما يؤثر الإنسان به غيره، نجدنا في حاجة إلى أن نقسم هذا البحث إلى ثلاث فترات: الأولى حكم الإيثار بالقرب أي ما يتقرب به إلى الله. الثانية الإيثار بالمال، والثالثة الإيثار بالنفس.

الإيثار بالقرب:

تناول هذه الموضوعات الإمام السيوطي فقال:

(الإيثار في القرب مكروه، وفي غيرها محبوب، قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .

قال الشيخ عز الدين: لا إيثار في القربات، فلا إيثار بماء الطهارة، ولا بستر العورة ولا بالصف الأول؛ لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال، فمن آثر به فقد ترك إجلال الله وتعظيمه.

وقال الإمام: لو دخل الوقت، ومعه ماء يتوضأ به، فوهبه لغيره ليتوضأ به، لم يجز. لا أعرف فيه خلافاً؛ لأن الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس، لا فيما يتعلق بالقرب والعبادات.

وبعد أنقل آراء فقهاء الشافعية في الإيثار بالقرب هل هو مكروه، أو خلاف الأولى، أو حرام، قال:

(قلت: ليس كذلك، بل الإيثار إن أدى إلى ترك واجب فهو حرام، كالماء، وستر العورة ... وأشباه ذلك، وإن أدى إلى ترك سنة، أو ارتكاب مكروه فمكروه، أو لارتكاب خلاف الأولى ما ليس فيه نهي مخصوص فخلاف الأولى، وبهذا يرتفع الخلاف.

الإيثار بالمال:

اتفق العلماء على أن الإيثار بالمال فضيلة من الفضائل، وكمال مروءة، وقوة في الإيمان والاعتقاد، واحتراز عن حظ النفس ولذائذها وهو منق لها، ورافع درجاتها إلى أعلى درجات السخاء.

ولقد رأينا فيما مضى من البحث في تفسير الآية الكريمة: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} أن المفسرين جعلوا هذا الإيثار في حظ الدنيا، من مأكل أو ما شابهه، وآية ذلك سبب نزول الآية؛ فإن سبب نزولها وإن تعددت الروايات بشأنه إلا أنها جميعها تدور حول الإيثار بالمال مع الحاجة إليه.

كما رأينا أن العلماء حينما عرفوا الإيثار جعلوه (تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا أو الجود بالمال مع الحاجة إليه) ، وبذلك اعتبروه أعلى درجات السخاء والجود؛ إذ السخاء هو بذل مال إلى إنسان آخر، محتاج أو غير محتاج، لكن الإيثار هو بذل ما يحتاج إليه لمحتاج آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>