للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإيجاب القصاص في الجميع هو الذي نراه راجحاً شرعاً؛ لأن أمره لا يحل ما حرم الله تعالى للحديث: ((المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) وإذا كان الله تعالى قد شدد عقوبة قاتل نفسه، وهو حين يقتل إنما يقتل نفسه، فكيف نعتد بأمره للغير بالنيل من نفسه أو عضو من أعضائه، وهو لا يملك من نفسه شيئاً، ولذلك عوقب بجنايته.

جاء في المحلى لابن حزم: فيمن أمر آخر بقطع يده أو يقتل ولده أو عبده أو بقتله نفسه: حدثنا عبد الله بن ربيع، نا عبد الله بن محمد بن عثمان، نا أحمد بن خالد، نا علي بن عبد العزيز، نا الحجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار قال: (إن رجلاً قال لعبده: اقطع أذني وأنت شريكي في الدية. ففعل، فاختصموا إلى ابن الزبير، فقامت البينة على قوله، فأبطل ديته.

قال علي: قد أوجب الله تعالى في النفس الدية إن أرادها ولي المقتول على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وأوجب الله تعالى أيضاً كذلك دية الأصابع على ما ذكرنا قبل، وحرم الله طاعة أحد من الناس في معصية الله تعالى. وقد ذكرنا كل ذلك بإسناده فيما سلف من ديواننا: حدثنا عبد الله بن يوسف، نا أحمد بن فتح، نا عبد الوهاب بن عيسى، نا أحمد بن محمد، نا أحمد بن علي، نا مسلم بن الحجاج، نا قتيبة، نا ليث - هو ابن سعد - عن عبد الله - هو ابن عمر - عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) وبه إلى مسلم: نا محمد بن المثنى، نا محمد بن جعفر غندر، نا شعبة، عن زبيد، عن سعيد بن عبيد، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الطاعة في المعروف)) .

قال أبو محمد: فحرام على كل من أُمر بمعصية أن يأتمر لها، فإن فعل فهو فاسق عاص لله تعالى، وليس له بذلك عذر، وكذلك الآمر في نفسه بما لم يبح الله تعالى له فهو عاص لله تعالى فاسق، ولا عذر للمأمور في طاعته، بل الأمر والذي يؤمر سواء في ذلك، فالواجب أن يجب للآمر إنساناً بقطع يد الآمر نفسه بغير حق، أو بقتل عبده أو بقتل ابنه، ما يجب له لو لم يأمر بذلك من القود أو الدية؛ لأن وجود أمره بذلك باطل لا حكم له في الإباحة أصلاً، وكذلك من أباح لآخر أن يقتله ففعل، فلأولياء المقتول القود أو الدية، وقد قال مالك: من أمر آخر بقتل عبده فقتله فلا شيء على المأمور. وقال الشافعي: من أمر آخر بقطع يد الآمر فلا شيء على القاطع.

قال علي: وهذان القولان في غاية الفساد لما ذكرناه، والعجب أنهم أصحاب قياس بزعمهم، وهم لا يختلفون فيمن أمر إنساناً بأن يزني بأمته نفسه ففعل، أن الحد عليه، فإن قالوا: إن له بعد قطع يده وقتل أبيه، أن يعفو وليس له بعد الزنا بأمته، قبل وقت العفو لم يأت بعد، فليس له أن يعفو، وهم لا يختلفون فيمن قال: من قتل ابن عمي فلان بن فلان فقد عفوت عنه فقتله قاتل، فإن له القود، فبطل نظيرهم. وبالله تعالى التوفيق) .

<<  <  ج: ص:  >  >>