للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ عبد اللطيف الفرفور:

شكرًا أيها السيد الرئيس ... الواقع أولًا في كل اجتهاد تخريجًا أو ترجيحًا نردد ما قاله الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه "علمنا هذا رأي وهو أحسن ما توصلنا إليه فمن جاءنا بأحسن منه كان أحق".

القضية هي في دخل المستغلات وليست في أعيانه كما هو ظاهر. فهل النماء علة بصرف النظر عن كونه شرطًا أو نوعًا أو غير ذلك، الواقع أني أعود فأكرر أنه ظهر لدى جميع الأفاضل الحضور أن النماء ليس علة لأن العلة هي السبب المؤثر، والنماء ليس سببًا ولا مؤثرا، ثم المواساة التي تفضل بها بعض الزملاء الأفاضل حكمة وليست علة. المواساة مئنة وليست مضنة، نحن نبحث هنا المضنة لأنها هي التي يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا مع التأثير فيه. فمن ادعى غير ذلك فعليه الدليل، من ادعى أن النماء علة فليأتنا بدليل نقلي وعقلي.

ثانيًا القياس على الأرض الزراعية هنا غير وارد إطلاقًا لغلبة جانب التعبد في الزكاة على معنى الحق البحت، أي حق المال، فهي كما يقول الأصوليون الأحناف: عبادة فيها معنى المئنة، الأصل فيها العبادة فلو سلم جدلًا فهو قياس مع الفارق كما تفضل الأخ الدكتور السالوس.

ثالثًا، الزكاة في ريع المستغلات مفروضة كما تفضل الشيخ عبد العزيز عيسى فنحن لم نقل: إن الزكاة غير مفروضة كما تفضل الشيخ عبد العزيز عيسى فنحن لم نقل: إن الزكاة غير مفروضة ما قال بذلك أحد، لكنه في الريع بزكاة النقود وبشروطه فهذا هو التوسط، الوسطية التي نادى بها الإسلام.

وهذا يعد كله من باب التجارة، وعلى فرض عدم وفاء هذه الزكاة بالهدف في ظل ترقيع الأنظمة الحالية، لأننا لسنا في نظام اقتصادي إسلامي، نحن نرقع الأنظمة الحالية ترقيعًا بما لدينا من حلول إسلامية، والمفروض أن نستبدل بهذه الأنظمة النظام الاقتصادي الصحيح الكامل الشامل الوافي حتى نرى هل يحقق الهدف أم لا؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه أثر لا أدري الآن تخريجه بالضبط ولكني قرأته في بعض الكتب المعتبرة الموثوقة من كتب السنة "لو أن الله عز وجل يعلم أن زكاة أموال الأغنياء لا تكفي الفقراء لأنزل عليهم من عنده ما يكفيهم"، فإذا أحببنا معالجة قضية عدم وفاء هذه الزكاة بحاجات الفقراء ولتحقيق العدالة الاجتماعية فعندنا في المذهب الحنفي فرق كبير بين ما يسمى بحكم الفتيا، وبين ما يسمى بالسياسة الشرعية. فيقول ابن عابدين في "رد المحتار" نقلًا عن أئمة المذهب، وهذا هو آخر كتاب من كتب الحنفية المعتبرة: "إن الإمام بشروطه طبعًا له صلاحية فرض خرج، وأحببت كلمة الخرج جدًا وإن لم يقلها ابن عابدين بالذات وإنما هي كلمة معتبرة بعد الرجوع لأهل الحل والعقد وهي الشورى الخاصة أن يفرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء وما يكفي حاجة الدولة"، هذا حكم اسمه حكم سياسي، ولا نقول سياسي بمعنى السياسة الحالية التي نفهمها، حكم سياسي شرعي، وله حق الإلزام وعلى الناس أن يطيعوا ذلك يثابون ما أطاعوا ويعاقبون من عند الله ما خالفوا، اللهم إذا كان في ذلك منفعة عامة للكافة وبشروطها المعتبرة. فقد خصص ابن عابدين مطلبًا خاصًا لما يسمى بالسياسة الشرعية. فحينما يضيق الأمر إذا ضاق الأمر اتسع، نأتي إلى السياسة الشرعية ونقول للحاكم المسلم تعال فافرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء وما يكفي الجيش وما يكفي البلاد، هذه ناحية. وأقول بعد ذلك إن الشرع ما شرعه الله، ولا نستطيع أن نزيد من عندنا شيئًا باسم المصالح إذا كان الأمر يتعلق بالتعبد بالذات. والزكاة أمر تعبدي أكثر مما هو حق مالي فلنقتصر على النصوص ونبتعد عن هذه الاجتهادات ما دمنا نريد أن نصل إلى السلامة في ديننا ودنيانا. مع شكري لمن تفضل قبلي بالجهود المشكورة والاجتهادات النافعة فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، وأرجو الله أن أكون صاحب الأجرين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>