المسألة الثانية: الزكاة تعبدية، الزكاة في الحقيقة كما يقول العلماء مترددة بين التعبدي وبين المعقولية، فهي معقولة من جهة سد خلة الفقير، غير معقولة من جهة القدر الذي تجب فيه الزكاة، وبنوا على هذا جملة من الأحكام منها وجوب النية فيما فيه شائبة التعبد فإنه يدور بين وجوب النية وبين عدمه، فالزكاة مترددة وهي قريبة من التعبد، والتعبد كما تعلمون لا قياس فيه.. النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الرجل بارزًا في الشمس وقال إنه برز وقام ليستمع إلى خطبة النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالدخول وأن يجلس في الظل. والبروز في الشمس قد يكون عبادة في عرفات وهو مستحب في عرفات، ولكنه ليس مستحبًا والرجل لا يمكنه ولا يجوز له أن ينشئ عبادة في حكم لم يأمر الشارع فيه باتباعه، هذه هي النقطة الثانية التي أردت أن أشير إليها.
هناك كثير من الأمثلة يمكن لفت الانتباه إليها، أكثر المذاهب على أنه لا زكاة في الماشية غير السائمة خلافًا لمذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى لحديث ((في سائمة الغنم الزكاة أو في السائمة الزكاة)) حسب لفظ البخاري في كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه. الغنم السائمة وعكسها المعلوفة أو الماشية السائمة هي التي تجب فيها الزكاة عندهم بسبب هذا القيد وهو الوصف ومفهوم المخالفة لمن يعمل طبعًا بمفهوم المخالفة، والمالكية يعملون بمفهوم المخالفة، إلا أنهم في هذه النقطة بالذات لم يعملوا بمفهوم المخالفة لأنه من باب الغالب، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن غنم سائمة فأجاب:((في الغنم السائمة زكاة)) أو أن الغالب أن تكون سائمة ولأجل ذلك اعتبروا أن هذه الصفة ليست مقيدة وليست موجبة لعدم الزكاة في غير السائمة.
المهم أن العلماء لم يستندوا إلى النماء فالغنم المعلوفة أيضًا تنمو وتتوالد ومع ذلك لم يقل أحد منهم مطلقًا بأن النماء سبب في وجوب الزكاة، ولو كان النماء علة لكانت العلة مطردة ومنعكسة، واطراد العلة وانعكاسها واضح البطلان، فعشرة من الغنم تنمو وتتوالد ومع ذلك لا زكاة فيها إنما لا يمكن أن يكون النماء علة لأنه لا يطرد ولا ينعكس، والعلة الصحيحة شرطها الاطراد والانعكاس، يمكن أن يكون دليلًا للعلة لمن يقول بالقياس دلالة، وتعلمون أن أنواع القياس، هذا يعلمه الجميع، ثلاثة: قياس الشبه، وقياس العلة، وقياس الدلالة، يمكن أن نقول أنه دليل على العلة، إلا أنه ليس علة مطلقًا ولا يمكن أن يعتبر علة. هذه نقطة أخرى.