للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠- هل التأمين ضرب من القمار؟

يشبه التأمين القمار في حقيقة أن المقامر والمستأمن كليهما يدفع مبلغًا محددًا من المال ثم يستقبل المقدار، فربما كسب أضعاف ذلك المبلغ وربما خسر جميع ما دفع لشركة التأمين، ولا زال الناس يقاربون بين عقد التأمين والقمار منذ نشأ التأمين، بل ورد أن بعض القضاة في المحاكم البريطانية في القرن الثامن عشر لم يكونوا يرون فرقًا بين القمار والتأمين، ولذلك ما كانوا يحكمون بضرورة أن يكون الأصل المؤمن عليه ملكًا للمستأمن، لأنهم يقيسونه على القمار ويحكمون فيه بالقوانين المنظمة للخطر والمراهنة (ولم يكن القمار عندهم محرمًا) . حتى صدر قانون التأمين البحري سنة ١٧٤٥م فمنع مثل ذلك (١) .

يرى أرباب التأمين أن الفروق جوهرية بين التأمين والقمار وأن هذا التشابه لا يخفي حقيقة اختلاف العقدين عن بعضهما البعض للأسباب التالية:

أ- إن المقامر يدفع مبلغًا من المال لتوليد خطر مصطنع ينبني عليه خسارة ما دفع من مال، أو الفوز بأضعاف ذلك، وإن هذا الخطر غير موجود في الطبيعة وإنما هو من صنع المقامرين، يتولد عندما يدفع كل مشترك حصته في القمار (كاليانصيب وما شابه ذلك) ، وفي نهاية اللعبة يربح الرابح ويخسر الخاسر. أما التأمين فهو يتعلق بأمر خارج عن إرادة كل الأطراف، وهو خطر حقيقي ناتج عما قدر عليهم من المصائب والمكاره التي تصيب الأموال والأولاد، ومن ثم فإن غرض دفع القسط التأميني ليس الاسترباح من ذلك الخطر بل تفاديه والاحتماء منه.

ولذلك فإنهم يفرقون بين الخطر القماري (Speculative Risk) لأنه يحتمل الربح والخسارة، والخطر في التأمين فيسمونه خطر محض (Pure Risk) لأنه لا يحتمل إلا الخسارة أو بقاء الأمور على ما هي عليه. لو أن رجلًا اشترى أسهم شركة لغرض الاستثمار فإنه يتعرض للربح والخسارة، ولذلك لا يمكن لشركة تأمين تقبل أن تؤمن على تلك الأسهم ضد الخسارة؛ لأن هذا من النوع الأول من المخاطر، ولو فعلت لصار عملها قمارًا وليس تأمينًا.

ب- إن القمار وسيلة للإثراء، لأن المقامر إذا استفاد في العملية أصبح أغنى مما كان عليه قبل المقامرة، وإذا خسر صار أقل ثراء مما كان عليه. أما التأمين فليس وسيلة للإثراء؛ إذ يقتصر على التعويض عن الضرر الواقع فحسب بمثل ثمنه أو أقل من ذلك (٢) ، وتمنع أعراف وقوانين التأمين أن يحصل المستأمن على أكثر من ذلك حتى لا ينقلب العقد إلى وسيلة للإثراء غير المشروع (٣) .


(١) David Kell p. (VI)
(٢) هل يمكن للمستأمن أن يجمع بين مبلغ التأمين وبين التعويض الذي يمكنه أن يحصل عليه من المتسبب في الضرر، أو أن ينشئ عدة بوالص للتأمين على نفس الخطر؟ هذا ما تمنعه قوانين التأمين في أكثر الدول فهي تجعل التعويض عن الضرر الذي يمكن الحصول على من المتسبب حقًا لشركة التأمين، كما لا تجيز الجمع بين أكثر من بوليصة على خطر واحد. كل ذلك حتى لا ينقلب التأمين وسيلة للإثراء.
(٣) جلي أن السماح بالتعويض بأكثر من مبلغ الضرر يولد الحافز لدى المستأمن لإحداث ذلك الضرر، وهو ما يسمى في لغة التأمين (المخاطرة الأخلاقية) .

<<  <  ج: ص:  >  >>