للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصورة الأولى: أن يصدر عقد البيع مضافا إلى الزمن المستقبل، مجتمعا مع عقد الإجارة المضاف إلى الزمن المستقبل أيضا، أما الإجارة فقد بينا فيما سبق جواز إضافتها إلى زمن مستقبل، وأما البيع فقد اختلف الفقهاء في حكمه إذا أضيف إلى زمن مستقبل (١) .

الرأي الأول: يرى جمهور الفقهاء عدم صحة إضافة عقد البيع إلى الزمن المستقبل، لأنه من عقود التمليكات المحضة، وما كان تمليكا محضا، لا مدخل للتعليق فيه قطعا، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) (٢) . ولا يتحقق طيب النفس عند الشرط، كما عبر الشافعية (٣) . ولأن انتقال الأملاك يعتمد الرضا، والرضا إنما يكون مع الجزم، ولا جزم مع التعليق، فإن شان المعلق عليه أن يعترضه عدم الحصول- كما قال المالكية مسوين بين التعليق والإضافة في الحكم (٤) . أو لأن عقود التمليكات المحضة يمكن تنجيزها للحال، فلا حاجة إلى الإضافة -كما عبر الحنفية- بخلاف الإجارة وما شاكلها؛ لأن المنفعة في الإجارة لا يمكن تمليكها للحال؛ وذلك لأن المنفعة تتجدد شيئا فشيئا وساعة فساعة، على حسب وجود المنفعة وحدوثها، ولهذا قال الحنفية: إن عقد الإجارة في حكم عقود متفرقة- كما سبق إيضاحه- ومن ثم يفترق العقدان في هذا الحكم.

الرأي الثاني: وعماده ما روي عن الإمام أحمد رضي الله عنه في إحدى الروايات عنه أنه أجاز تعليق عقد البيع على أمر مستقبل، وقد رجح ابن تيمية هذه الرواية- كما سبق أن ذكرنا- قائلا: إنه لم يجد عن أحمد ولا عن أصحابه نصا يخالف ذلك ...


(١) (راجع لنا: نظرية الشرط، ص ٥٩- ١٥٦)
(٢) (أخرجه الدارقطني: ٣/ ٢٦ أي: حرة الرقَّاشي عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ والمستدرك للحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما: ١/ ٩٣ بلفظ: (لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس)
(٣) (المنثور في القواعد، للزركشي: ١/ ٣٧٧)
(٤) (الفروق، للقرافي: ١/ ٢٢٩، الفرق ٤٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>