بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد.
فإني أشكر الرئيس على إعطائي هذه الفرصة للحديث، وأشكر للأخوين الكريمين فضيلة الدكتور القرضاوي وفضيلة الدكتور على السالوس بحثهما القيم حول هذا الموضوع ولا ريب أن الذي دفع فضيلة الدكتور القرضاوي إلى الاجتهاد في هذه القضية وما يراه من حاجة المسلمين المعوزين ومن الثراء الواسع عند بعض المسلمين، هذا الثراء يتمثل في مثل العمارات الشاهقة التي تدر عليهم دخلًا كبيرًا، فإذا ما قيل بإعفائهم من الزكاة مع فرض الزكاة على الذين يجهدون في حرث الأرض بعرق الجبين وببذل ما في أيديهم أدى ذلك إلى شيء من المفارقات، في الواقع الدين الإسلامي الحنيف دين اجتماعي يرعى مصالح جميع الطبقات، فلا يكلف الغني فوق طاقته ولا يجعل الفقير أيضًا ضائعًا في مجتمعه، ففي أموال المسلمين حقوق سوى الزكاة، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} هذا حق سوى الزكاة بدليل قوله سبحانه وتعالى من بعد: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ} ، مع أنه من المعروف أن المعطوف غير المعطوف عليه في العربية، فلا يعفي أمثال هؤلاء الذين من الله عليهم بهذا الثراء من مراعاة حاجات الفقراء والمساكين بعد أن يعطوا حق الزكاة الواجب في الأصناف التي نص العلماء على وجوب الزكاة فيها، أو جاءت النصوص بوجوب الزكاة فيها. كما أنه لا يمنع أن يكون هنالك اجتهاد بحسب الظروف وبحسب الأحوال. فنجد في عهود السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم اجتهادات قد تكون هذه الاجتهادات تؤدي أحيانًا إلى تطبيق أمر لم يكن يطبق في عهد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، مثل ذلك صنيع عمر رضي الله عنه حيث جلد في الخمر ثمانين، وصنيعه رضي الله عنه حيث جعل طلاق الثلاث ثلاثًا وقال:(رأينا الناس تعجلوا أمرا كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم) فهذا نظر منه وهذا النظر لا يحجر على علماء المسلمين. والقاعدة التي ذكرها فضيلة الدكتور على السالوس وهي أن باب العبادات لا قياس فيه، ينبغي أن ينظر في هذه القاعدة، ذلك لأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أشار إلى القياس في بعض الأشياء، فعندما سئل عن قبلة الصائم نبه على المضمضة التي هي مقدمة للشرب، هل تنقض المضمضة الصوم؟ فعندما أجيب بـ: لا، جعل حكم القبلة كحكم المضمضة، القبلة هي مقدمة للوقاع والمضمضة هي مقدمة للشرب. وكذلك عندما سألته الخثعمية قالت له "إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع الثبوت على الراحلة أفأحج عنه؟ فقال لها: أرأيت أن لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان مجزيًا؟ قالت: نعم قال: فذاك ذاك" فالحج عبادة، وقد قاس هذه العبادة التي هي دين الله سبحانه وتعالى على دين الناس، وكذلك أيضًا قوله عليه أفضل الصلاة والسلام للرجل الذي جاء يستفتيه في أخته التي نذرت أن تصوم ولم تصم حتى ماتت، أيضًا قاس هذا الدين على دين الخلق وقال:((فاقضوا فدين الله أحق بالقضاء)) فإذن مجال الاجتهاد والقياس في هذه المسألة ينبغي أن لا نوصد بابه وإنما ينبغي النظر في المقدار فإذا كان هذا الدخل نقودًا ومن المعلوم أن زكاة النقد هي بنسبة ٢.٥ % فأقرب أن تكون هذه الزكاة الواجبة في ريع العمارات وأمثالها زكاة نقد ولا تكون زكاة زراعة، هذا الذي يتجه لي، وطبعًا المجال واسع للاجتهاد في هذه المسألة ونظر أصحاب الفضيلة العلماء فيها.