والذي أراه:
أولأ: أن قضية (الموجودات الزكوية) الراجعة إلى أسهم الاستفادة تبدو وكأنها من فقه الأرأيتيين الذي يبدأ السؤال فيه عادة بقول السائل: (أرأيتم لو حدث كذا ... إلخ؟) وكان الإمام مالك (رحمه الله تعالى) يجيب أصحابها دون انتظار: دعها حتى تقع.
وهل حدث بالفعل أن شركة من الشركات المعاصرة تجهل ما في حوزتها من موجودات زكوية وغير زكوية، وأن شيئا مما يرجع لأسهم المساهمين فيها قل أو أكثر لا تمسكه دفاتر المحاسبات، أو قوائم الموازنات أو الوثائق المسجلة؟
وهل حدث بالفعل أن سأل أحد المساهمين عن النصيب الراجع إليه من الشركة التي يمتلك بعضها، فقالوا له: الله اعلم!؟
هل يصدق الواقع في هذا العصر- الذي انتشرت فيه الأجهزة الإعلامية حتى أضحت لعبة عادية بين أيدي الأطفال- أن يقف المريد لزكاة أمواله الموثقة حيران أسفا لأنه يجهل ما ينوب أسهمه من (الموجودات الزكوية) في الشركة؟ ويستمر على جهله دون حيلة سوى التوجه إلى مجمع من المجامع الفقهية طلبا للفتوى وللتكييف الشرعي.
ثانيا: وعلى فرض حدوث هذا الأمر- الذي يحمل على الاستغراب- وجهل مالك الأسهم ما ينوب أسهمه من (الموجودات الزكوية) في الشركة: فإن الحل لا يدعو إلى تأصيل حكم مستنبط أو مقيس، وإنما إلى ما يركن إليه بداءة، وهو التطبيق لما هو موجود من القواعد والأحكام:
أ- الجاهل لنصيبه من (الموجودات الزكوية) لا تسقط الزكاة في حقه ما دام مسلما، وما دامت الشروط العامة المشترطة في المال الذي تجب فيه الزكاة هي متوفرة في ماله هذا، وهي على الإجمال: الملك التام- بلوغ النصاب- الفضل عن الحوائج الأصلية- السلامة من الدين- حولان الحول.
ب- شرط الملك التام إذا اختل، قد يختل بلا رجعة مثل تلف المال بعامل طبيعي كالذي أكلته النار، فلا زكاة فيه إلا إن كان ما حصل سببه تفريط من صاحب المال فعليه غرم نصيب الزكاة.
وقد يختل الملك التام ببقاء المُلك وفقدان التصرف كالذي أقرض المال أو قارض به، كَمَالِ الدين، ومال المضاربة، ومال الأسهم في الشركات.
وما نحن فيه من (موجودات زكوية) هو من مال الأسهم في الشركات: الملك باق لا منازع فيه، والتصرف بيد الشركة.
جـ- لا أحد يقول بانتفاء الزكاة عن مال القرض أو القراض أو الدين المضمون أو الأسهم في الشركات.
وكل ما في الأمر إذا حصل مانع من المبادرة إلى إخراج الواجب إخراجه في المال كالجهل بالمقدار (في صورتنا هذه) فإن الأداء يتأخر إلى ما بعد زوال المانع ولو بعد موت المزكي؛ إذ يطلب من ورثته أداء هذا الحق.
وعليه، بدل البحث على البديل المظنون، والظن لا يغني من الحق شيئا، نبحث عن اليقين الذي بين أيدينا وهو الأيسر والأدعى إلى اطمئنان النفس فيما أرى، والله أعلم.