للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين ما ذكرنا من وسائل الري القديمة والحديثة نلاحظ التطور الكبير الذي حصل في تقنيات الزراعة، ولا وجود لتطور بالمجان، بل لكل شيء ثمنه، ونتج عن ذلك أن ارتفعت النفقات الراجعة لمجال السقي وحده، فكانت على بابين:

١- باب المقادير المالية المبذولة في شراء المحركات والمضخات والقنوات والمعدات الأخرى وفي بناء الخزانات والبرك والأحواض اللازمة. والأموال المدفوعة في هذه الآلات أو البناءات ليست معدودة من نفقات السقي ولا من نفقات الزراعة، وإنما هي نفقات تجهيز وثمن منشآت جديدة قيمتها باقية غير مستهلكة وغير ضائعة، بل تزيد في قيمة الضيعة أو الأرض التي جهزت بها.

٢- باب المقادير المالية التي تنفق في الصيانة والإصلاح وتعويض القطع التي أفسدها الاستعمال، وما إلى ذلك من النفقات التي محلها ما يستهلك ويتطلب التجديد أو التعويض أو الإصلاح كما قلنا، فهذه النفقات وما أشبهها معتبرة من مؤن السقي التي تنقل الواجب من العشر إلى نصف العشر تخفيفا على المزارع.

وفي هذا التفصيل يقول الإمام الخطابي (١) . رحمه الله- مستعملا أمثلة من واقع عصره:

(وأما الزرع الذي يسقى بالقنى (٢) . فالقياس على هذا أن ينظر، فإن كان لا مؤنة فيها أكثر من مؤنة الحفر الأول، وكسحها في بعض الأوقات، فسبيلها سبيل النهر، والسيح في وجوب العشر فيها، وإن كانت (أي القنى المبنية التي حلت محل المحفورة في التربة) تكثر مؤنتها بأن لا تزال تتداعى وتنهار، ويكثر نضوب مائها، فيحتاج إلى استحداث حفر: فسبيلها سبيل ماء الآبار التي ينزح منها بالسواني) (٣) .، فقد رأينا أن الخطابي لا يعتبر وضع القنوات في حد ذاتها نفقة ثقيلة، وإنما الثقيل كثرة مؤنة إصلاحها عند التداعي والانهيار والنضوب.


(١) (هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي المتوفى سنة ٣٨٨ هـ، الإمام الحجة في الفقه والحديث واللغة من أهل بست (بلاد كابل) ومن نسل زيد بن الخطاب (أخو عمر بن الخطاب) ؛ الذهبي، التذكرة: ٣ /١٠١٨، عدد (٩٥٠))
(٢) (القنى: مفرده قناة (مثل: حصى وحصاة) ، انظر: المصباح المنير، مادة: (قنو))
(٣) (معالم السنن: ٢/ ٢٠٧، مطبعة أنصار السنة مع مختصر سنن أبي داود)

<<  <  ج: ص:  >  >>