والذي يظهر رجحانه هو الأخذ بالرأي الثالث الذي اتجه إلى جواز حسم كلفة الزرع على ألا يتخطى الحسم ثلث المقدار من المحصول، لأنه يتلاءم مع قاعدة العدل والتوازن بوجه عام، مع الأخذ في الاعتبار ضابط الخرص الذي قد أجيز فيه أن يترك قدر الثلث أو الربع لصاحبه. ومن المعلوم أن (أخذ الزكاة مبناه على التعديل بين أرباب المال والمساكين)(١) .
ومن الجدير أن يشار في هذا المقام إلى أنه قد ذهب عدد من الفقهاء إلى قصر زكاة هذا الصنف- أي زكاة الزروع والثمار- على بعض الأنواع، ولكن بمقتضى النص القرآني الكريم:{وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: ١٤١] ، وانطلاقا من مراعاة مقصد التشريع إذا ترجح القول بتعميم الحكم لأداء الزكاة في سائر الأنواع من المحاصيل الزراعية، فبمقابل ذلك ينبغي أن تكون قضية حسم النفقات الباهظة محل المراعاة أيضا وفق ما سبق عرضه.
وما ذكر هنا يتناول حكم الزكاة بالنسبة للمزارعين والمنتجين، لا للمتاجرين في المنتوجات والثمار، لأنها حينئذ تخضع لحكم زكاة عروض التجارة.
وإذا عرفنا الحكم العام في الموضوع المعروض أمكن لنا بإذن الله تعالى إبداء الرأي في القضايا المطروحة الآتية:
١- المقصود بنفقات الزراعة:
إنه مما لا غبار عليه أن الزراعة تتطلب أنواعا من النفقات. ومنها أجرة العمال الذين يقومون بإصلاح الأرض الزراعية باقتلاع كل ما يحول دون ما يحتاج إليه في الزراعة، ومنها نفقات السماد، والبذور، ونفقات تروية الأرض وسقيها، لاسيما في حالة شح الأمطار، أو عدم كفاية وفرة المياه، ومنها أيضا أجرة حراسة الزرع.
(١) المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى: ١/ ٢٢٦