فهذا التكييف الفقهي أضفى على العمل الوقفي والخيري طابعاً مؤسسيًّا تميز عن الطابع الشخصي بعدة مميزات، من أهمها أن المؤسسات أكثر دوامًا من الشخص الطبيعي، وأن عملها أكثر قابلية للتأطير (بمعنى أن عملها يوضع في إطار منظم يتضمن حصرًا للموارد المتاحة، وكيفية تعبئتها، والأهداف المبتغاة والوسائل المستخدمة للوصول إلى الأهداف) كما أنها أكثر قابلية وتعرضًّا للمحاسبة والتقويم والتقييم من خارجها، بالإضافة إلى أنه يمكن تصميمها بحيث تحتوي على نظام فعال للرقابة الداخلية، كل ذلك يعود بالتطوير على المؤسسة الوقفية (١) .
ولذلك كانت معظم المؤسسات الوقفية تحت إشراف الدولة الإسلامية، وبالأخص تحت إشراف القضاء، وبالأخص في فترات ازدهار لهذا الجانب إلا مع ضعف الأمة الإسلامية في مختلف مجالاتها.
ويدل على هذه الأهمية للوقف تركيز أعداء الإسلام (وبالأخص المستعمرون) على تحطيم المؤسسات الوقفية وتعييبها وتشويش صورتها وصورة القائمين عليها، ثم اختيار سيء السمعة والإدارة لإدارتها، ولا أظن أن هذا يحتاج إلى دليل، وقصدي من ذلك أن الوقف لو ترك دون قصد تخريبه لتطور تطورا كبيرا وقام بخدمات جليلة أكثر مما قدمه على مر التاريخ الإسلامي.
لذلك يجب علينا حينما نتحدث عن الوقف أن نوجه كل طاقتنا وإمكانياتنا لتطوير هذه المؤسسة في كل المجالات، وقد استفاد الغرب من فكرة الوقف كمؤسسة في شتى مجالات الحياة، وبالأخص في مجالات التعليم والأبحاث، فمعظم المراكز العلمية والكليات والجامعات لها أوقافها الخاصة للاستمرارية مع كل هذا الدعم الهائل من حكوماتها.
* * *
(١) د. معبد الجارحي، ورقته المنشورة ضمن أبحاث ندوة الوقف الخيري لهيئة أبو ظبي الخيرية، ص ١٢٠.