للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشخصية الاعتبارية للوقف، وأثرها على تطويره

الشخصية الاعتبارية يراد بها أن تكون للشركة، أو المؤسسة شخصية قانونية مستقلة عن ذمم أصحابها، أو شركائها ويكون لها وحدها حقوقها والتزاماتها الخاصة بها، وتكون مسؤوليتها محدودة بأموالها فقط (١) .

وهذه الشخصية الاعتبارية لم يصل إليها القانون إلا في القرون الأخيرة، في حين سبقه فقهنا الإسلامي الوضعي في الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للوقف، حيث نظر الفقه الإسلامي إلى من يدير الوقف نظرة خاصة فرق فيها بين شخصيته الطبيعية، وشخصيته الاعتبارية كناظر للوقف، أو مدير له، وترتب على ذلك أن الوقف ينظر إليه كمؤسسة مستقلة عن أشخاصها الواقفين والناظرين، لها ذمة مالية تترتب عليها الحقوق والالتزامات، فقد قرر جماعة من الفقهاء منهم الشافعية (٢) ، والحنابلة (٣) جواز انتقال الملك إلى جهة الوقف مثل الجهات العامة كالفقراء والعلماء، والمدارس والمساجد، كما ذكر فقهاء الحنفية والشافعية (٤) أنه يجوز للقيم على الوقف أن يستدين على الوقف للمصلحة بإذن القاضي، ثم يسترده من غلته، فهذا دليل على أن الوقف له نوع من الذمة المالية التي يستدان عليها، ثم يسترد منها حين إدراك الغلة، قال ابن نجيم: "أجر القيم، ثم عزل، ونصب قيم آخر، فقيل: أخذ الأجر للمعزول، والأصح أنه للمنصوب، لأن المعزول أجره للوقف لا لنفسه " (٥) فهذا يدل على أن الوقف من حيث هو يقبل الإجارة، حيث اعتبرت الإجارة له، وهناك نصوص كثيرة تدل على إثبات معظم آثار الشخصية الاعتبارية في القانون الحديث للوقف (٦) .

ولا أريد الخوض في تفاصيل ذلك، وإنما الذي أريد أن أقوله هو أن هذا التكييف الفقهي للوقف جعله مؤسسة مستقلة تطورت في القرون الأولى وقدمت خدمات جليلة لهذه الأمة وحضارتها، واستطاعت أن تحافظ على عدد كبير من القضايا الأساسية للحفاظ على متطلبات الأمة وتطويرها، مثل المدارس والجامعات والمستشفيات، وبعض المؤسسات والميزات الخاصة بالأعمال التطوعية والخيرية.


(١) يراجع لمزيد من التفصيل: د. السنهوري، الوسيط: ٥ / ٢٨٨؛ ود. أبو زيد رضوان، الشركات التجارية، ص ١١٠؛ ود. صالح المرزوقي، الشركات المساهمة في النظام السعودي، ط. جامعة أم القرى، ص ١٩١.
(٢) الروضة للنووي: ٥ / ٣٤٢.
(٣) المغني لابن قدامة: ٥ / ٦٠١.
(٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهندية: ٣/ ٢٩٨؛ والدر المختار مع حاشية ابن عابدين: ٤ / ٤٣٩؛ والأشباه والنظائر لابن نجيم، ص ١٩٤؛ وتحفة المحتاج: ٦/ ٢٨٩.
(٥) البحر الرائق: ٥ / ٢٥٩.
(٦) يراجع: مبدأ الرضا في العقود، دراسة مقارنة، ط دار البشائر الإسلامية، ببيروت: ١ / ٣٥٣، سنة ١٩٨٥ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>