وفي السنوات الأخيرة كانت هناك ثورة على القوانين التي تحدد سنًا للتقاعد، خرجت جماعات كثيرة تقول: كيف نحدد سن العمل وسن التقاعد ببلوغ عمر بذاته، وليس بفقدان القدرة؟ كيف نعتبر حاجز الستين سدًّا منيعًا يحول دون تدفق الراغبين في العمل والقادرين عليه؟ كيف يكون هناك قانون إلزامي يحد من حرية البشر في العمل؟
وفي هذا الاتجاه تشكلت في الولايات المتحدة منظمة للمدافعين عن حقوق المسنين في مواصلة العمل، وأصدرت هذه المنظمة بيانًا في (سبتمبر ١٩٩٧م) ، أكدت فيه رفضها لقوانين التقاعد، مطالبة بأن يكون التقاعد اختياريًا، ووصفت الإلزام في هذا المجال بأنه عمل غير أخلاقي، وأنه حرمان للشخص من حق كسب العيش.
وفي الوقت نفسه ألغت كندا الإحالة للتقاعد على أساس السن، وتركت المشتغل ليعمل ما دام قادرًا على العطاء، وكانت نتائج ذلك إيجابية، فقد قلت الأعباء التأمينية، وزاد المساهمون في الاقتصاد القومي.
وفي اليابان، تم رفع التقاعد إلى الخامسة والستين، وتجري معاقبة الشركات التي لا تتعاون في هذا المجال.
إذن هناك ثورة على القوانين التي تجعل السن سيفًا مسلطًا، وأداة تحكمية تفصل بين حالة العمل واللاعمل (١) .
وتبقى كبرى الخرافات أن المسنين عاجزون عن تقديم شيء للمجتمع، رغم أن الإنتاج في المجتمع بات ذهنيًا ومعتمدًا على الآلة، أكثر مما يعتمد على عضلات الإنسان.
إن نظام التقاعد يجب أن يكون متطورًا متجددًا يلبي الاحتياجات والمطالب، ويتلاءم مع المتغيرات الحضارية والاجتماعية والاقتصادية، كما لابد أن يكون النظام قادرًا على تحقيق العدالة والمساواة.
وأسوأ أنواع القرارات هي النوع الإجباري الذي يفرض على الإنسان دون الأخذ برأيه. إن قرار التقاعد يجب أن يقوم على أسس علمية مدروسة وليس فقط على أسس رقمية مجردة، فبلوغ الإنسان سنوات عمر معينة لا يكفي أن يكون مبررًا للتقاعد.
(١) وهم الشيخوخة، محمد المراغي، العربي، سبتمبر ١٩٩٩ م.