للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- ومن السنة أحاديث كثيرة، منها:

١- قوله عليه السلام: (( ((الصلح جائز بين المسلمين ...)) )) الحديث (١) .

٢- ندبه عليه السلام للصلح في حوادث عديدة منها: ما رواه البخاري عن عبد الله بن كعب عن أبيه أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينًا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهما ثم نادى: (( ((يا كعب)) .)) قال: لبيك يا رسول بالله، فأشار إليه أن ضع الشطر من دينك، قال: قد فعلت يا رسول الله، قال: (( ((قم فأعطه)) )) (٢) .

٣- وأجمعت الأمة على جواز الصلح فيما لا يخالف الشرع (٣) .

وبالنسبة لانخفاض سعر العملة الفاحش بعد أن نشأ الالتزام بها، نتيجة لعقد مشروع من بيع ونحوه، فإنه مما يمكن وقوع الصلح عنه؛ لأنه صلح عن إقرار، حيث إن من ترتب عليه الحق مقر به غير منكر له، ومن له الحق يطالب بحقه، ولكن هل يكون القضاء في هذه الحال بالمثل، بناء على أن الديون تقضي بأمثالها؟ وأن من له الحق ليس له إلا ما وقع عليه العقد، وبناء عليه فإنه في حال الرخص الفاحش للنقود تفوت عليه مصلحة كبيرة في نقصان القيمة الحقيقية لهذه النقود، عما كانت عليه وقت ثبوت الحق في الذمة، وفي هذا مجافاة للعدل الذي أمر الله به في المعاملات وفي غيرها {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: ٩٠] , وإن قلنا بأنه – أي صاحب الحق _ يأخذ من النقود ما يساوي قيمة دينه وقت ترتب الحق في ذمة المدين، أدى ذلك إلى فوات المماثلة بالزيادة المتحققة في العدد، كما لو كان له عليه ثمن مبيع مؤجل، أو نحوه ألف جنيه مصري في نهاية الشهر الأول من عام (١٤١٠هـ) ، ووقت السداد نهاية الشهر الأول من عام (١٤٢٠هـ) ، أي بعد عشر سنوات، ولكن عندما حل وقت السداد انخفضت قيمة هذه النقود بسبب التضخم الفاحش إلى (٥٠ %) ، فإن وفاء هذا الدين في وقت حلول القيمة التي كانت للنقود وقت ترتب الحق في الذمة بـ (٢٠٠٠) جنيه.

وحتى يُحل هذا الإشكال بطريق مقبول شرعًا، فإنه يمكن أن يتصالحا على مقدار معين، إما بتحميل الفرق على المدين، أو عليهما معًا – وهو الأنسب – ولابد أن يكون هذا بجنس آخر من النقود، خروجًا من محذور الربا بالزيادة في الجنس.


(١) سبق تخريجه.
(٢) صحيح البخاري، باب التقاضي والملازمة في المسجد من كتاب الصلح: ١ / ١٢٣؛ صحيح مسلم، باب استحباب الوضع من الدين من كتاب المساقاة: ٣ / ١٩٢.
(٣) المغني: ٧ / ٥؛ ابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج: ٥ / ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>