للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما النقود الورقية فنشأت فعلًا، كما يقول السالوس من العادة والاصطلاح، وكانت مرتبطة بالذهب تمامًا خلال مرحلة الغطاء الذهبي الكامل، ثم مرحلة الغطاء الجزئي مع القابلية للتحويل إلى ذهب عند الطلب من الجهة المصدرة. ولكن كل هذا انتهى في غضون الأزمة العالمية (١٩٢٩ – ١٩٣٣ م) مع السقوط النهائي لنظام الذهب من معظم بلدان العالم، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية آخر دولة تسقط رسميًا قابلية عملتها للتحويل إلى ذهب في (١٩٦٣ م) . ولم يعد حافظا لقيمة أي عملة ورقية في العالم إلا الظروف المحددة لعرضها، وذلك تبعًا للسياسة الإصدار النقدي من جهة، والظروف المحددة لطلبها، وذلك تبعًا لاحتياجات المعاملات أو خزن الثروة من جهة أخرى (١) ، فلما أخفقت بلدان عديدة في اتباع سياسات إصدار نقدي حكيمة، بل وتورطت في عمليات إصدار لتمويل مشروعات ضعيفة الإنتاجية، أو لتمويل عجز الموازنة العامة؛ زاد عرض النقود زيادة تفوق الطلب عليها، خاصة في حالات معظم الدول النامية التي كان نشاطها الاقتصادي إما راكدًا أو ينمو بمعدلات ضعيفة، وهذا من أهم الأسباب المولدة للتضخم، وهنا فرق كبير بين النقد الورقي والنقد الذهبي أو الفضي، إذ لم يتسبب النقدين في ارتفاع مستمر في الأسعار خلال التاريخ البشري إلا استثناء (٢) .

ثم إن هذا الارتفاع في الأسعار يؤدي إلى تدهور القيمة الحقيقية للنقد الورقي، ومع معرفة الناس أن هذا النقد ليس له (قيمة ذاتية) فإنهم يسعون إلى التخلص منه بسرعة بشراء أصل يمكن أن تحقق ارتفاعًا في قيمتها الحقيقية في ظل التضخم، أو على الأقل تحافظ على قيمتها الحقيقية، مثل المجوهرات والذهب والعقارات وأحيانًا أصولًا نقدية مثل العملات الأجنبية القوية. فأي شيء في هذا يشبه النقدين النفيسين؟ لقد كان ارتفاع الأسعار يؤدي أيضًا إلى انخفاضا القيمة الحقيقية لهما كنقد، ولكن مع وجود قيمة ذاتية أو سلعة لم يكن أحد يسعى للتخلص منهما، بل كان يحدث العكس، فقد اتجه الناس في فترات الارتفاع الشديد في الأسعار إلى خزن ما ليدهم من عملات ذهبية وفضية وتعاملوا بالفلوس (٣) .


(١) يتكون الطلب على النقود من طلب على المعاملات Transactions والاحتياط precautionary (لهذه المعاملات) بالإضافة إلى الطلب على النقود كمخزن للثروة store of value، وهو نفسه الطلب لأغراض السيولة liquidity، أو للمضاربة specualtive، تبعًا لتحليل كينز j.keynes، ويلاحظ أن الطلب على المعاملات والاحتياط دالة للنشاط الإنتاجي. راجع أيضًا: عبد الرحمن يسري أحمد، اقتصاديات النقود، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية (١٩٧٩ م) .
(٢) الاستثناء الوحيد الذي نعرفه في التاريخ هو ما حدث في القرن السادس عشر في دول أوروبا المركنتالية mercantillist، حيث تدفقت كميات هائلة من الذهب إليها إثر اكتشاف مناجم غنية بالذهب في القارة الأمريكية. وكانت السياسة المركنتالية تعمل على تكوين أكبر فائض من الذهب لديها عن طريق التجارة. ولذلك يعرف القرن السادس عشر بقرن ثورة الأسعار price revalution في التاريخ.
(٣) وهكذا بين عديد من علماء المسلمين في العصور الوسطى أن تداول النقد الرديء أدى إلى خروج النقد الجيد من التداول، وهي القاعدة المعروفة لطلاب الاقتصاد باسم: قانون جريشام Gresham’s law، (راجع أيضًا: عبد الرحمن يسري أحمد، تطور الفكر الاقتصادي، الطبعة الرابعة، الناشر: قسم الاقتصاد، كلية التجارة، جامعة الإسكندرية، ١٩٩٦ م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>