رأينا أن نفرد الحيازة بعنوان خاص مع أننا نراها من (الأمارات) ليس لما أبدأ فيه الفقهاء ومجتهدو التشريع الوضعي وأعادوا من صور الوقائع والحكم عليها طبقا لما توفر لمجتهدي الفقه الإسلامي من أحاديث نبوية شريفة اطمأنوا إليها واعترض لهم من أشكال وقائع واقعة أو متصورة، ولما توارثه الوضعيون من أعراف وأنظمة وتصورات وقائع أو مواصفاتها واجتهادات في الحكم عليها، فهذا البحث لا يتسع لمناقشة ما ملؤوا به الصفحات العديدة من تصورات وأحكام، وليس ذلك من شأنهم.
ولكن لنوع من الحيازة لم نقف على من عارض له مع خطره، لما يترتب عليه من أحكام جلها ليس من تشريعات الأحوال الشخصية ولا من تشريعات المعاملات والشؤون المالية، بل من صميم التشريع الجنائي.
بيد أننا قبل ذلك، نقف هنا عندما أبدأوا فيه وأعادوا، من تحديد المدة التي يتعين انقضاؤها لثبوت الحيازة. واستند مجتهدو الفقه الإسلامي فيه إلى أحاديث رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلها لا سبيل إلى الإربة في أنها نصوص تشريعية، فهي بلا مراء مصادر للتشريع في هذا المجال.
بيد أن من اعتمدوها وفرعوا عنها أحكاما، أغفلوا عاملا هاما وجوهريا، كان ينبغي أن يلتزموه في تأويلها، ولعلهم التزموه في أزمانهم وظروفهم، وهي شبيهة بنسب متفاوتة بالعهد النبوي وظروفه، ولكن متفقهة هذا العصر درجوا على اجترار وترجيع مقولاتهم دون أن يلتفتوا إلى التغيير الجوهري الذي أحدثته المرحلة الحضارية للإنسان في مجموع ظروفه المعاشية، وأبرزه في هذا المجال تحول الكوكب الأرضي- وقريبا تحول المجموعة الشمسية- إلى ما يشبه العلبة الصغيرة، يتواصل الناس بين أصقاعها آلاف المرات في ثواني معدودات، فكيف يخضع تحديد مدة الحيازة في هذه الظروف للأساس الذي كان يخضع له يوم كان الانتقال من مكة إلى المدينة يستلزم مدة ما بين ثلاثة أيام وسبعة أيام، وكانت الرسالة قد يرسلها أحد فيرزق بولده، ولم يكن حين إرسالها متزوجا قبل أن تصل إلى من أرسلها إليه.