١٧- وتختلف القرائن أيضا عن الافتراض والحيل التي تقوم على إسباغ حكم لا شأن له بالواقع الحقيقي، على وضع معين، توصلا لترتيب غايات عملية، مستهدفة، فهو لا يقوم على الاحتمالات الغالبة الراجحة، كما تقوم القرائن، بل يؤسس على تصور يفترض فرضا، لكي تبنى عليه أحكام خاصة، ما كانت لتبنى لولا هذا التصور الافتراضي، وهو يستعصي بحكم طبيعته- على قبول إثبات العكس، بينما القرائن- بحسب الأصل- تقبل إثبات العكس.
ويمثلون له في الدراسات القانونية بافتراض العلم بأحكام القانون بعد نشره بمدة محددة تحديدا تحكميا، لا تلتقي مع العلم الواقعي الذي يتخلف عنها في الغالب الأعم من الحالات، ويبررون ذلك الفرض التحكمي باعتبارات الضرورة الاجتماعية متمثلة في العدالة والمصلحة، فأما العدالة فلأن إثبات العلم بأحكام كل قانون أمر عكسي، وأما المصلحة فلأنها تقتضي أن يؤخذ الجميع بالقانون سواء علموا به أو لم يعلموا، وإلا ترتبت نتائج شاذة، وانطوى الأمر على دعوة صريحة لعدم العلم بالقانون مادام الجهل به سوف يعفي من تطبيقه (١) .
(١) الدكتور هلالي عبد الله أحمد- النظرية العامة للإثبات في المواد الجنائية رسالة دكتوراه- دار النهضة العربية- الطبعة الأولى سنة (١٩٨٧م) ، ص٤١٥ وما بعدها. الدكتور محمود عبد العزيز خليفة- مرجع سابق، ص٣٨٩ وما بعدها.