وليس معنى أن القرينة تعتمد في المجال المدني على الغالب الراجح، أن الإثبات الجنائي يتنافى مع هذه الفكرة، بل إنها تقوم فيه أيضا، ولكن كمرحلة من مراحل الوصول إلى الحقيقة، وقد تعين على الحكم بالبراءة، أما في الإدانة فلا تكفي وحدها، إذ لابد أن يرقى الدليل إلى مرحلة القطع، ولا يغني فيها- كقاعدة عامة- مجرد أن يكون من حق المتهم أن يثبت العكس، إذ ذلك، فضلا عما فيه من قلب لعبء الإثبات وإلقائه على عاتق المتهم على خلاف ما يوجبه الأصل الذي يقضي بأن المتهم برئ حتى يثبت إدانته، فإنه لا يصل بالقاضي- ضرورة - إلى ثبوت التهمة بحكم اللزوم العقلي، وهو أمر حتمي دفع بعض الشراح إلى عدم الاكتفاء في تعريف القرينة في المسائل الجنائية بأنها مجرد استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة، لوجود رابطة بينهما، فاشتراط أن يكون هذا الاستنباط، ومن واقع التعريف ذاته، مبناه اللزوم العقلي الذي لا يقبل تحرر أي من الواقعتين من الرابطة التي تجمع بينهما (١) .
وتطبيقا لذلك فإنه إذا وضعت الزوجة ولدا على فراش الزوجية الصحيحة، فإن ذلك يعد قرينة على بنوة الابن لصاحب الفراش أخذا بالغالب الراجح، الذي يدل على أن الزوجة غالبا ما تكون قد حملت بهذا الولد من زوجها، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود القرينة، بأن تكون قد حملت من غيره، ولذلك فإن الزوج يستطيع- مدنيا- أن يثبت عكس القرينة عن طريق الملاعنة، فإذا لاعنها وانتفى نسب الولد، فإن ذلك لا يستتبع حتما الحكم عليها بالزنى إذ يدرأ عنها العذاب (الحد) أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
(١) الدكتور مأمون محمد سلامة- قانون الإجراءات الجنائية معلقا عليه بالفقه وأحكام النقض- دار الفكر العربي- الطبعة الأولى سنة (١٩٨٠م) ، ص٧٩٥- ٧٩٩.