للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأغرب من ذلك قول من يقول: إن هذا الحرج يمكن دفعه بأن يحرم بملابسه في الطائرة، ثم يخلعها بعد الهبوط ويفدي بدم جزاء، فمتى كانت هذه الشريعة الحكيمة السمحة تكلف أحدًا بما يشبه المستحيل لتعسره أو تعذره، على أن يخالفه المكلف ويتحمل بدلاً منه جزاء مكلفًا، إن الشريعة الحكيمة براء من مثل هذا التكليف.

وأشد غرابة من هذا رأي من يقول، وكل هذا قد سمعناه،: إن الحل لهذه المشكلة هو أن يحرم من يريد القدوم بالطائرة من بيته قبل ركوبها، فماذا يقول هؤلاء إذا كان قاصد الحج أو العمرة من أهل موسكو أو سيبيريا قادمًا في الشتاء، حيث درجة الحرارة تصل إلى خمسين تحت الصفر بمقياس سنتيغراد؟

هذا ما يبدو لي أنه الوجه الصحيح في هذه القضية واستنباط الحل والحكم الشريعي الذي يناسبها، وأقول: الذي يناسبها، بعد أعمال الفكر منذ سنوات في ملابساتها، وإمعان النظر في الأدلة، والاستئناس بالدلائل، فقد كثر السؤال عنها، وكلما تقدم الزمن سنة ألحت الحاجة إلى البيان الشافي فيها بصورة مدروسة بصيرة لا تسرع فيها ولا ابتسار، ينظر فيها إلى هذه القضية من مختلف الزوايا لا من زاوية واحدة.

وما يدرينا لعل سنوات قادمة غير بعيدة تصبح فيها الطائرات من الوسائل العتيقة البطيئة، ويحل محلها الصاروخ الذي يطوي المسافات الزمانية والمكانية الطويلة والبعيدة يختزلها في دقائق معدودات، كما يتنبأ به كثير من رجال العلم والفكر. وأن ما شهدناه في هذا العصر من عجيب الإنجازات التي كلما تحقق منها شيء لم يكن ليصدق لو رئي في المنام، فَتَحَ تحققُهُ طريقًا لما هو أعجب منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>