للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأول هذه النتائج وأهمها يتلخص في أن المقصود هنا من بيان الأساس الأول هو: أن القرآن قد نزل بلسان العرب وأساليبهم البيانية، فطلب فهمه إنما يكون بالطريق التي يفهمه بها من خوطبوا به حين ألقي إليهم، وهم أهل هذا اللسان خاصة على أميتهم وجهلهم بالعلوم والفلسفات التي وجدت لدى غيرهم من الأمم، وبالاصطلاحات والمفاهيم الطارئة حين أسست العلوم ووضعت فيها الاصطلاحات، وحددت لها المفاهيم العلمية في اللغة العربية بعد ذلك. يعني كل هذا لا يجوز أن ينظر إليه في فهم النص العربي.

وهذا يستلزم أن من يكون أكبر فقيه وأرسخ عالم في العصور اللاحقة يجب أن يفهم النص القرآني أو الحديث النبوي كما يفهمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما يفهمه البدوي الأمي من العرب إذ ذاك؛ لأنهم هم أهل اللسان الذين خوطبوا به، ففهم أي عالم لمدلول النص بعد ذلك، مهما علا كعبه في العلوم وطال باعه، يجب أن يكون تبعًا لفهم ذلك العربي الأول ابن اللسان الذي جاء به ذلك النص وخوطب به.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله في هذا المقام: "فإن قلنا: إن القرآن نزل بلسان العرب، وأنه عربي لا عجمة فيه، فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره، وبالعام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، وبالظاهر يراد به غير الظاهر. وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وأنها تتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره أو آخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة. وكل هذا معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي ولا من تعلق بعلم كلامها. فإذا كان كذلك فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب. والذي نبه على هذا المأخذ في المسألة هو الشافعي الإمام في رسالته الموضوعة في أصول الفقه. وإن كثيرًا ممن أتى بعده لم يأخذها هذا المأخذ، فيجب التنبيه لذلك، وبالله التوفيق". هذا كلام الشاطبي في الموافقات نقلته بحرفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>