للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعقيب وترجيح:

أما حديث ((ليس على المسلم في عبده أو فرسه صدقة)) فالذي اخترناه أن نفي الصدقة فيهما إنما كان لأنهما من حوائجه الأصلية؛ فالعبد يخدمه، والفرس مركبه وعدته للجهاد، ومن ثم أو جب جمهور الفقهاء منذ الصدر الأول إخراج الزكاة عن العبد والفرس إذا كانا للتجارة، بل نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، ولم يقف ظاهرًا هذا الحديث دون ما فهموه وأفتوا به.

وأما عدم النقل عن الصدر الأول ما يفيد إيجاب الزكاة في هذه الأشياء؛ فإنما كان لعدم شيوع الكراء والاستغلال فيها بحيث تعم به البلوى –على حد تعبير الفقهاء- ويظهر الحكم، ويتناقله الرواة، وكل عصر له مشكلاته التي تثار، ويطلب إبرام حكم في شأنها، ولم تكن هذه (المستغلات) من مشكلات تلك الأعصار. قال في (البحر) : وقد ادعى مخالفة الهادوية للإجماع، وفيه نظر؛ إذ لم يصرح السلف فيها بحكم. (١)

وفي حواشي شرح الأزهار: المختار أن قول الهادي ليس مخالفًا للإجماع؛ لأن الصحابة والتابعين إما أن يكونوا خاضوا في المسألة واختلفوا فيها، فهي خلافية، أو خاضوا وأجمعوا، فلم ينقله عنهم ناقل، أو لم يخوضوا، فلا حرج في استنباط مسألة بفكره الصائب، ونظره الثاقب. (٢)

أما قياس هذه (المستغلات) على عروض التجارة؛ فربما كان له وجه عند النظرة الأولى، إذ كل من المستغلات والعروض رأس مال نام مغل، وكلا المالكين تاجر يستثمر رأس ماله ويستغله ويربح منه، وكون صاحب العروض ينتفع بإخراج عين الشيء عن ملكه، وصاحب العمارة والمصنع ينتفع بالغلة مع بقاء العين؛ ليس فرقًا يوجب الزكاة على أحدهما ويعفي الآخر.

بل قد يقال: إن المنتفع باستغلال الشيء مع بقاء عينه في ملكه –كمالك العمارة وصاحب المصنع- ربما كان أكثر ضمانًا للربح، وأمانًا من الخسارة، من صاحبه التاجر الآخر.


(١) البحر الزخار ج ١ ص ١٤٨
(٢) حاشية شرح الأزهار ج ١ ص ٤٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>