للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عرف الجصاص العقد بأنه: (ما يعقده العاقد على أمر يفعله هو، أو يعقد على غيره فعله على وجه إلزامه إياه. . . ثم قال: فكل شرط شرطه الإنسان على نفسه في شيء يفعله في المستقبل فهو عقد) (١) .

وابن تيمية يوافق ابن حزم في تقسيم الشروط إلى قسمين حيث يقول:

القاعدة الثالثة في العقود والشروط، فيما يحل منها ويحرم، وما يصح منها ويفسد:

ومسائل هذه القاعدة كثيرة جدًا، والذي يمكن ضبطه فيها قولان: أحدهما: أن يقال الأصل في العقود والشروط فيها ونحو ذلك الحظر إلا ما ورد الشرع بإجازته، فهذا قول أهل الظاهر، وكثير من أصول أبي حنيفة ينبني على هذا، وكثير من أصول الشافعي، وطائفة من أصول أصحاب مالك وأحمد. . . وقول الثاني إن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منه ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله، نصًا أو قياساً. . . وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها تجري على هذا القول، ومالك قريب منه، ولكن أحمد أكثر تصحيحًا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه (٢) .

هل يوجد دليل على تحريم الشرط الجزائي؟ :

إن اعتبار الشرط الجزائي شرطًا مستحدثًا، وتطبيق قاعدة (الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله، نصًا أو قياسًا) يوجب علينا أن نبحث فيما إذا كان هناك دليل على تحريم الشرط الجزائي نصًا أو قياسًا، فهل يوجد هذا الدليل؟

١) قوله صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة: ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط.

وفي بعض الروايات زيادة: شرط الله أحق وأوثق (٣) .

قال ابن حزم بعدما ذكر هذا الحديث:

(فهذا الأثر كالشمس صحة وبيانًا يرفع الإشكال كله) (٤) .

وليس الأمر كما قال ابن حزم، لأن "ليس في كتاب الله " المراد به ما خالف كتاب الله، وليس المراد أن كل من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب يبطل (٥) .


(١) المصدر السابق: ٢ / ٣٦٠.
(٢) القواعد النورانية الفقهية، ص ١٨٤ وما بعدها؛ وانظر أيضًا كتاب الغرر وأثره في العقود، ص ٣٠ وما بعدها.
(٣) صحيح البخاري مع فتح الباري: ٥ / ٣٥٣ و١٨٧، ١٩٠
(٤) المحلي: ٨ / ٤٧٧، مطبعة الإمام.
(٥) فتح الباري: ٥ / ١٨٨؛ وانظر كتاب الغرر وأثره في العقود، ص ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>