للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط الجزائي معاملة مستحدثة:

الذي أراه أن الشرط الجزائي الذي بينا حقيقته، والذي يجري عليه العمل في البلاد الإسلامية، هو معاملة مستحدثة، تحكمها قاعدة يكاد الفقهاء المعاصرون يجمعون على الأخذ بها هي:

الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منه أو يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصًا أو قياسًا.

هذه العبارة لابن تيمية (١) ولكن القاعدة معروفة قبل ابن تيمية ذكرها ابن حزم، وذكر القاعدة المخالفة لها فقال:

أما العقود والعهود والشروط والوعد فإن أصل الاختلاف فيها على قولين لا يخرج الحق عن أحدهما، وما عداهم فتخليط ومناقضات لا يستقر لقائلها قول على حقيقة (٢) ، فأحد القولين المذكورين:

أنها كلها حق لازم إلا ما أبطله منها نص، والثاني: أنها كلها باطل غير لازم إلا ما أوجبه منها نص، أو ما أباحه منها نص (٣) .

ثم ذكر ابن حزم حجة أصحاب القول الأول، ورده عليها، ولكنه لم ينسب هذا القول إلى أحد (٤) ، وقد وجدت عبارة لأبي بكر الجصاص تدل على أنه يؤيد القول الأول، هي قوله في تفسيره لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] .

واقتضى قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} الوفاء بعقود البياعات والإجراءات والنكاحات وجميع ما يتناوله اسم العقد، فمتى اختلفنا في جواز عقد أو فساده صح الاحتجاج بقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، لاقتضاء عمومه جواز جميعها من الكفالات والإجازات والبيوع وغيرها، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((والمسلمون عند شروطهم)) في معنى قول الله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وهو عموم في إيجاب الوفاء بجميع ما يشترطه الإنسان على نفسه ما لم تقم دلالة تخصصه (٥) .


(١) القواعد النورانية الفقهية، ص ١٩٢، لابن تيمية المتوفي في ٧٢٨ هـ.
(٢) يشير بهذا إلى آراء المذاهب الأربعة.
(٣) الأحكام في أصول الأحكام: ٥ / ٦ وما بعدها لابن حزم المتوفي ٤٥٦ هـ.
(٤) المصدر السابق: ٥ / ٦ – ١٢.
(٥) أحكام القرآن: ٢ / ٣٦٢ للجصاص المتوفي ٣٧٠ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>