للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث

حكم الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي

تمهيد:

تلجأ البنوك الإسلامية إلى الائتمان الإيجاري أو التمويل التأجيري للاستثمارات الإنتاجية، لامتصاص زيادة المدخرات والودائع لديها، نتيجة زيادة الوعي الديني والاجتماعي، ورغبة في التعامل على أسس اقتصادية جديدة. ومما ساعد على نجاح هذه العمليات أن المبادئ التي تحكم الائتمان الإيجاري تتفق تماماً مع أغراض المؤسسات المالية الإسلامية.

فالقاعدة التي تقرر أن (مدة الائتمان تعادل العمر الاقتصادي) تتناسب مع مبدأ (المشاركة المؤقتة في التوظيف أو الاستثمار) .

والقاعدة التي تقرر أن (الآلة تدفع قيمتها من دخولها وعوائد استغلالها) تؤكد مبدأ (المشاركة في الأرباح) واتخاذ العوائد المتغيرة ثمناً للائتمان بدلاً من سعر الفائدة الثابت.

والقاعدة التي تقرر مبدأ (الاحتفاظ بالملكية طوال مدة الائتمان) تقر مبدأ (المشاركة في الاستغلال) .

والقاعدة التي تقرر مبدأ (التلازم الزمني بين النفقة والعائد) تنسجم مع مبدأ (السيولة الدائمة والاستثمار المتكرر) (١) .

الحكم الشرعي للإيجار المنتهي بالتمليك:

القاعدة الفقهية التي يمكن تكييف صور هذا العقد على أساسها أن (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني) (٢) . بمعنى أن ينبغي استقراء ملابسات التعاقد للوصول إلى النية المشتركة لطرفيه، فإذا كشفت هذه النية عن عقد بيع بالتقسيط عد العقد بيعاً ولو سماه المتعاقدان إجارة. وبناء على ذلك:

أ-البيع الإيجاري (hire – purhase) أو (location – vent) الذي يتفق فيه الطرفان على أن الشيء المؤجر لمدة معلومة لقاء أجر دوري محدد بحيث إن المستأجر إذا دفع الأجرة كلها يصبح مالكاً له في نهاية المدة، يعتبر بيعاً ساتراً لعقد إيجار، وتعتبر (الأجرة) ثمناً للمبيع يدفع على أقساط محددة. ويترتب على هذا التكييف الفقهي للعقد انتقال ملكية الشيء من (المؤجر – البائع) إلى (المستأجر –المشتري) بمجرد العقد – على رأي جمهور الفقهاء- لأن حكم العقد ثبت بجعل الشارع ولا دخل لإرادة العاقدين في تعديله (٣) . أما على رأي غير الجمهور – كالقاضي شريح وابن شبرمة وابن سيرين وبعض المالكية وكثير من الحنابلة – فإنه يمكن تكييف هذا العقد على أنه بيع أدرج فيه شرط جزائي مؤداه عدم انتقال الملكية إلى المشتري إلا بعد الوفاء بكافة الأقساط، حينئذ يصبح مالكاً بأثر رجعي (٤) .


(١) مصطفى رشدي، الاقتصادي النقدي والمصرفي، الإسكندرية: ١٩٨٥، ص ٤٧٥ – ٤٧٦.
(٢) المادة (٣) من مجلة الأحكام العدلية، والمادة (٢١٤/١) من القانون المدني الأردني. انظر في شرحها بصفة خاصة: أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، الطبعة الثالثة، دار القلم، دمشق: ١٤١٤هـ – ١٩٩٣، من ص ٥٥ إلى ص ٧٨.
(٣) ابن الهمام، فتح القدير: ٦/٧٦- ٧٧؛ الدسوقي والدردير: ٣/٧٣؛ الشربيني، مغني المحتاج: ٢/٣٤؛ البهوتي، كشاف القناع: ٣/١٨٨.
(٤) محمد يوسف موسى، الأموال ونظرية العقد في الفقه الإسلامي، القاهرة ١٩٨٧، ص ٤٢٦ وما بعدها؛ مصطفى أحمد الزرقاء، المدخل الفقهي العام، دمشق ٦٧/١٩٦٨، ص ٤٩٥ وما بعدها، وص ٧١٧ – ٧١٨ وهبة الزحيلي، العقود المسماة في قانون المعاملات المدنية الإماراتي والقانون المدني الأردني، دمشق ١٩٨٧، ص ٥٣-٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>