وإذا كان عقد البيع لا ينافي عقد الإجارة، فإن الاستصناع بيع، فهو بذلك لا ينافي الإجارة أيضاً، الأمر الذي يدل على أن هذه الحالة مقبولة من وجهة النظر الفقهية، على ضوء ما ورد في هذا البحث، مع ملاحظة أن عقد الإجارة وعقد الاستصناع لا يقعان على نفس العين عند التعاقد، لأن الاستصناع – كالسلم - بيع لموصوف في الذمة، في حين أن الإجارة تقع هنا على عين حاضرة، ولا يتنافى ذلك مع قيام الصانع بتقديم العين المأجورة نفسها للوفاء بالتزامه في عقد الاستصناع ما دامت تتحقق فيها الصفات المحددة للمبيع فيه.
الحالة السادسة: وهي أن تكون الإجارة بأجرة متناقصة، أو متزايدة، ولكنها في جميع الأحوال معلومة، كأن تكون أجرة كل سنة أكثر (أو أقل) بعشرة في المائة من السنة التي قبلها، ويمكن تطبيق هذه الحالة بالزيادة مثلاً للحماية من التضخم المتوقع، فتجعل نسبة الزيادة المحددة في الأجرة السنوية، أو الشهرية، معادلة للنسبة المتوقعة للتضخم، أما حالة تناقص الأجرة، فيمكن تطبيقها عند توقع التناقص في منفعة العين مع الزمن لأسباب فنية، مثل السيارة التي تقل كفاءتها مع الاستعمال، أو لأسباب التقدم العلمي التكنولوجي، وبخاصة حيث تكون سرعة التطور التكنولوجي كبيرة، بحيث تفقد الآلة القديمة قيمتها بسرعة.
وفي جميع حالات الأجرة المتناقصة، أو المتزايدة، فإن المتفق عليه بين المذاهب الإسلامية هو اشتراط أن تكون الأجرة معلومة، أو بمقادير أو نسب معلومة، كل ذلك في عقد الإجارة أي عند إصدار الصك نفسه.
ويلاحظ هنا أن من الحنابلة من أجاز البيع بما ينقطع به السعر في المستقبل، بتاريخ معين، من غير تحديد الثمن وقت العقد (١) ، وهو بيع بسعر يمكن معرفته، لأنه معلق على أمر يعلم دونما نزاع، أو خلاف، فإذا جاز هذا في البيع، فإن الإجارة بأجرة متزايدة، أو متناقصة، غير محددة في العقد، ولكنها معلقة على أمر يعلم، ويعلن قبل بدء الفترة الإيجارية، التي تحدث فيها الزيادة، أو النقصان، قد تكون جائزة أيضاً، لأن الإجارة بيع، وبخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مبدأ العقود المترادفة، كما هو معروف عند الحنفية، حيث تنعقد الإجارة على الفترة اللاحقة عند انتهاء الفترة التي قبلها.