وما ذكره العلماء مما يفهم من البحث أن التجارة فيه ممنوعة، ومما قالوه ما جاء في حاشية الرهوني:" وحكمه الأصلي الجواز وهو ظاهر الأقوال والروايات وكره مالك العمل به إلا لمتقٍ"، وقال ابن رشد:" وباب الصرف من أضيق أبواب الربا فتخلصوا من الربا على من كان عمله الصرف عسيرًا إلا لمن كان من أهل الورع والمعرفة ما يدل به ويهرب منه وقليل ما هم ". فكلام هؤلاء العملاء لا يدل على عدم الجواز في تجارة النقود وإنما يدل على أن كثيرًا ممن يعملون في هذا المجال ينقصهم العلم بأحكامه أو لا يتورعون فيها مما يؤدي إلى انزلاقهم في الحرام، لكن مثل هاتين الحالتين لا تعودان على هذا النوع من العقود بالحرمة أو الكراهة وإنما تلحق الحرمة والبطلان العقد إذا لم يستوفِ الشروط اللازمة له.
والغزالي أيضًا لا يمنع بيع أحد النقدين بالآخر كما جاء في كتابه (الجهل بالدين) ، وأما قوله:"فإذا اتجر في أعيانهما فقد اتخذهما مقصودًا على خلاف وضع الخدمة إذ طالب النقد لغير ما وضع له ظلم "، قوله هذا غير مسلم لأنه ما دام الله – سبحانه وتعالى – أجاز بيعهما وشراءهما على لسان رسوله كما بينه فيما سبق فإن من لوازمه وجود من يتخذها مقصودًا إذا توفر لمن أرادها، وهذه هي الحكمة الربانية، إذ لو لم يوجد الصيارفة الذين يشتغلون بالتجارة في النقود لشق على الناس أو تعذر حصول مقصودهم من المعاملة الأخرى.
وأما ما ذكره الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم من منع المنتسب في التجارة في النقود، فهذا المنع موافق لمقاصد الشريعة الإسلامية، فأنا أوافق الدكتور شوقي والدكتور أحمد محيي الدين في هذه المسألة الأخيرة.
ثالثًا: يقول الدكتور أحمد محيي الدين – جزاه الله خيرًا -: إن عمليات الصرف العاجلة لا تتم بالتسليم في مجلس العقد وإنما يقع التسليم فيها خلال يومي عمل – هذا في عمليات الصرف – لاحقين ليوم العقد. ويقول: ويمكن التغاضي عن هذه المدة تطبيقًا لقاعدة (المشقة تجلب التيسير) ثم استشهد بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥] ، وقوله:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨] . ويقول: ووجه المشقة الذي يصعب تحاشيه هو عدم إمكانية إجراء عملية الصرف من دون الالتزام بهذه الإجراءات التي أصبحت أعرافًا دولية ونظامًا عالميًّا.