على كل حال هذه البداية تعتبر - في نظري - بداية جميلة، لكنني أرى أن المسائل التي نص عليها الفقهاء على اختلاف مذاهبهم ينبغي ألا نتناقش فيها لأن الاختلاف رحمة، وهنالك السعة في المذاهب المختلفة، وأن ندع الناس يأخذون بما يشاؤون بحسب ما يحق مصالحهم، ولأن هذه المسائل خاصة بالعبادات وهي مسائل ذات حساسية خاصة، ليست كالمعاملات التي يتبع فيها وجه المصلحة، ولهذا يترك في المسائل التي تحدث عنها الفقهاء من المسائل السابقة تترك كما هي. فقط نأخذ من آراء الفقهاء هذه الموجهات - كما ذكرنا - والضوابط والمعايير والهوادي كي ننظر في المسائل الحديثة. هذا هو الذي ينبغي أن نتجه إليه.
بعد ذلك أحب أن أعلق بأن كلام الإمام الشاطبي عن الترخيص في العقود لا يعتبر أنه من باب الرخصة بناء على التعريف الذي أورده الأصوليون للرخصة. حقيقة الأصوليون يذكرون أن كذا داخل في باب المستثنيات (العقود، العرايا، المزارعة، المساقاة) استثناؤها من الأصل العام يعتبر من باب المستثنيات للتخفيف، وهي داخلة حقيقة في باب الرخصة. المشقة دائمًا يأتي التعبير بها في باب العبادات، ولا ترتبط هذه الأشياء بالحديث عن المشقة؛ لأن المشقة غالبًا تأتي في باب العبادات، لكن هذه العقود مربوطة بالرخصة من حيث هي رخصة، وتأتي في باب الحديث عن الرخص كقسم من الأقسام التي جاء فيها الترخيص في الشريعة الإسلامية، وبني الاستثناء على أسباب استدعت ذلك.