للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا موضوع فقهي بحت وليس فيه مدخل للرأي الطبي , ثم هناك ناحية أخرى وهي قضية نفوذ الشيء إلى الجوف, فهذه قضية طبية ولها علاقة بالتحقيق الطبي , فبنى كثير من الفقهاء بعض المسائل على اعتبار أن هناك منفذًا للجوف فلذلك أفتوا بالإفطار، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه ليس هناك منفذ إلى الجوف فذهبوا إلى عدم الإفطار، وهذا في مسألة الأذن - مثلًا - وفي مسألة الدماغ، وفي مسألة القبل , ففي مسألة الدماغ - مثلًا - ذهب الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - إلى أنه إذا داوى آمة في الرأس فإنه يفسد به الصوم، لأنه رأى أن هناك منفذًا من الدماغ إلى الجوف، يعني إلى المعدة وإلى البطن. وهذا موضوع يتعلق بالطب، فإذا ظهر هناك تحقيق جديد أو اكتشاف جديد في علم الطب بأنه ليس هناك منفذ واتفق الأطباء على أنه ليس هناك منفذ فيما بين الدماغ والبطن فحينئذ القول بفساد الصوم بمداواة آمة الرأس هذا القول ينبغي أن يرجع عنه، ويؤخذ بهذا الرأي الطبي الحديث، لأنه مبني على واقع قد تحقق خلافه.

وكذلك مسألة الأذن، فمن قال بإفساد الصوم بإدخال الدواء في الأذن فإنه قال ذلك اعتمادا على أن هناك منفذًا فيما بين الأذن والحلق، وإذا تحقق طبيًّا وثبت طبيًّا باتفاق أهل الطب بأنه ليس هناك منفذ فينبغي أن يتغير هذا الرأي؛ لأن هذا ليس مسألة فقهية وإنما هي مسألة واقعية وطبية.

وعلى هذا الأساس الموضوعات التي تهمنا في هذه الجلسة هي موضوع (الأذن) وموضوع (الرأس والآمة) وموضوع (القبل) ، وكذلك القبل قد تحقق أنه ليس هناك منفذ فيما بين القبل والبطن. فلذلك ينبغي أن نقول بعدم فساد الصوم إذا أدخل شيء من القبل.

وقضية (البخاخة) فهذه البخاخة إنما تدخل هواء من الفم إلى الحلق، فهذا يدخل الجوف، ولكن حكم هذه المسألة ينبني على أنه هل يكون في ذلك الهواء شيء من الدواء الجوهري أو لا يكون؟ فما سمعته من السادة الأطباء الموجودين هنا أنه يشتمل على نسبة ضئيلة من الدواء ويصل إلى الجوف، وبما أن الفقهاء لم يفرقوا بين القليل والكثير ما دام الشيء يدخل إلى الجوف، فلو كان قليلًا فإنه يفسد الصوم ومثلوا لذلك بالسمسمة.

فهذا ما أراه أن تبحث هذه المسائل من هذا المنظور الفقهي والطبي، فلا ينبغي أن نقول: أن جميع المسائل الواردة في هذا الموضوع كلها تتعلق بالطب بل فيها أنواع فقهية بحتة.

وشيء آخر وهو موضوع يتعلق بالعين، وإن كان قد ثبت طبيًّا أن هناك منفذًا بين العين والحلقوم فقد ورد في ذلك نص: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد وهو صائم. وقد تأيد هذا الحديث بآثار عدة من الصحابة والتابعين فهذا أيضًا شيء منصوص، وقد ذكر الفقهاء أن هذا المنفذ ليس منفذًا في الواقع وإنما ألحق بالمسام، والمسام لا تعتبر منفذًا معتبرًا لإفساد الصوم. فالقول الذي أذهب إليه هو أن إقطار الدواء في العين لا يفسد به الصوم، أما الإقطار في الأذن فينبغي أن نقول بعدم فساد الصوم لأنه لا منفذ بين الأذن والحلق كما تحقق طبيًّا.

هذا ما أراه، والله سبحانه وتعالى أعلم، وعلمه أتم وأحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>