يقول الشاطبي: من لا يقدر على القيام رخص له أن يصلي جالسًا. فهذه رخصة محققة , فإن كان المترخص إمامًا، فقد جاء في الحديث:((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ثم قال: ((وإن صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون)) . فصلاتهم جلوسًا وقعت لعذر، إلا أن العذر في حقهم ليس المشقة، بل لطلب الموافقة للإمام وعدم المخالفة عليه، فلا يسمى مثل هذا رخصة.
فإقدام المرضع على تناول الدواء في نهار رمضان ليصل عبر لبنها إلى جسم الرضيع المريض، إقدامها ليس من قبيل الرخصة، وإنما سبيله حفظ الحياة للرضيع المسؤولة عن احترامه. ويفهم هذا على أنه تعينت تلك الطريقة لإنقاذ حياة الرضيع.
والذي أريد أن أؤكد عليه هو أن الرخصة شخصية، أنه لا يوجد ضابط يحدد الرخصة بطريقة تنطبق بها على جميع المكلفين, ذلك أنها تستند إلى المشقة، والمشاق تختلف قوة وضعفًا في ذاتها، وتبعًا للظروف التي يقع فيها العمل، وحسب الأحوال والزمان والمكان، وحسب قدرة التحمل عند الأفراد بعوامل قوة البدن وضعفه والسن، ومضاء العزيمة أو وهنها.
وإذا كان كذلك فليس للمشقة المعتبرة في التخفيفات ضابط مخصوص ولا حد محدود يطرد فيه جميع الناس.
ولذا أقام الشارع في جملة منها السبب مقام العلة، يعني أقام المظنة مقام العلة، فإذن ليست أسباب الرخص بداخلة تحت قانون أصلي، ولا ضابط مأخوذ باليد، بل هو إضافي بالنسبة إلى كل مخاطب في نفسه , فمن كان من المضطرين معتادًا للصبر على الجوع فلا تختل حاله بسببه - كما كانت العرب - فليست إباحة الميتة له على وزان من كان بخلاف ذلك.
اختلاف الفقهاء في حكم الترخص:
بناء على ما قدمناه فإن اختلاف الفقهاء في حكم الترخص بالفطر ليس اختلافًا حقيقيًّا وإنما هو اختلاف في حال؛ لأن حكم الترخص بالفطر شخصي , فقد يكون أخوان مرضهما واحد وفطر أحدهما واجب، والآخر راجح , وهذا ما أغناني عن تتبع الأقوال لارتباطها بهذا الضابط الذي أراه هو الحق الذي لا محيد عنه.