المقدمة الرابعة: وهي مقدمة أصولية تتحدث عن المرجع عند الشك, الشك الذي يعتري المكلف في حصول المفطر قد يكون على إحدى صور:
الأولى: الشك في مفهوم الأكل والشرب سعة وضيقًًا، ونسميه بالشبهة المفهومية، والتحقيق كما عليه أهله: جريان البراءة بالنسبة إلى الزائد عن المتيقن، فإذا شككنا - مثلًا - في أن الأكل يشمل المأكول غير المتعارف حتى يحرم أم لا يحرم، تجري البراءة عن لزوم الاجتناب عنه.
الثانية: الشك في المصداق (الشبهة المصداقية) ، كما إذا شككنا مثلا في أن الماء وصل من قضاء الفم إلى الجوف أم لا، فالحق أيضا جريان البراءة - كما حقق في محله - بعد عدم شمول أدلة المنع له؛ والوجه في عدم الشمول هو أن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ممنوع قطعا، وإذا لم تشمله نشد في الحكم، فإن كان هناك دليل فوقاني نرجع إليه كالروايات الحاصرة، وإلا نرجع إلى الأصل كما بيناه.
الثالثة: الشك في صحة الصوم، وإذا وقع الشك في صحة الصوم مع تناول ما يشك في كونه أكلًًا فالحق أيضًا الصحة، لاستصحاب بقاء الصوم إذا كان مسبوقًا بتحقق الصوم.
وبعدما عرفت هذه المقدمات نَرِد في صلب الموضوع.
ضابط المفطر (الأكل والشرب) :
لا يخفى أن الأكل والشرب من المفطرات للصوم في الجملة بإجماع المسلمين، بل الضرورة قائمة على ذلك، ويدل عليه قبل الإجماع الكتاب والسنة، ولا كلام في ذلك، إنما الكلام في تحديد هذا الضابط، وأنه هل أن الأكل والشرب مطلقًا من المفطرات، أم تختص المفطرية بما يتعارف أكله وشربه؟ وأيضاً هل المفطر إيصال المأكول والمشروب إلى الجوف من أي طريق كان، أم يعتبر في المفطرية كون الوصول من الطريق المتعارف؟
فيقع الكلام في تعيين الضابط في مقامين:
المقام الأول:
في مفطرية إيصال ما ليس بمتعارف إلى الجوف من طريق الحلق، فقد قيل: إن المسألة ذات أقوال ثلاثة:
الأول: المفطرية وإيجاب الكفارة.
الثاني: عدم المفطرية.
الثالث: المفطرية من غير إيجاب الكفارة.
والأول هو المشهور، بل مورد التسالم.
ونسب الخلاف إلى ابن الجنيد وبعض كتب السيد من الإمامية، وإلى الحسن بن صالح وأبي طلحة الأنصاري من فقهاء أهل السنة.