ذهب الشيخ محمد رشيد رضا إلى رأي غريب عن العلم الإسلامي الشرعي كل الغرابة، فهو يرى أن كل وسيلة يمكن بها إزهاق روح الحيوان بيسر وسهولة تكفي في إحلال لحمه للمسلم، ونحن ننقل نصه ليتم تصور مراده بوضوح، قال عفا الله عنه:"لما كانت التذكية المعتادة في الغالب لصغار الحيوانات المقدور عليها هي الذبح كثر التعبير به، فجعله الفقهاء هو الأصل، وظنوا أنه مقصود بالذات لمعنى فيه، فعلل بعضهم مشروعية الذبح بأنه يخرج الدم من البدن الذي يضر بقاؤه فيه؛ لما فيه من الرطوبات والفضلات، ولهذا اشترطوا قطع الحلقوم والودجين والمريء على خلاف بينهم في تلك الشروط، وإن هذا لتحكم في الطب والشرع بغير بينة، ولو كان الأمر كما قالوا لما أحل الصيد الذي يأتي به الجارح ميتا.
والصواب أن الذبح كان ولا يزال أسهل أنواع التذكية على أكثر الناس، فلذلك اختاروه، وأقرهم الشارع عليه، لأنه ليس فيه من تعذيب الحيوان ما في غيره من أنواع القتل، كما أقرهم على صيد الجوارح والسهم والمعراض ونحو ذلك، وإني لأعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لو اطلع على طريقة للتذكية أسهل على الحيوان ولا ضرر فيها كالتذكية الكهربائية- إن صح هذا الوصف فيها- لفضلها على الذبح، لأن قاعدة شريعته أنه لا يحرم على الناس إلا ما فيه ضرر لأنفسهم أو غيرهم من الأحياء، ومنه تعذيب الحيوان بالوقذ وغيره ". (١)
وهذا الرأي من الشيخ محمد رشيد رضا لا نقول فيه إلا أنه (زلة من زلات العلماء) ولكل جواد كبوة، ولن نتوقف عنده لنرد عليه، إذ يمكن لكل طالب علم أن يرد عليه بالنصوص الواضحة من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم وكل ما يمت إلى الإسلام بصلة.
ونقول: غفر الله للشيخ رشيد ورحمه، فقد جاهد في سبيل نشر دعوة الإسلام، واستنفد عمره في ذلك بما يغطي هذه الزلة ويفيض عنها أضعافًا مضاعفة، ولا نعلم أحدا من معاصريه ولا من بعدهم قبلها منه، والحمد لله فإن الحق أبلج.
(١) تفسير المنار: ٦/ ١٢٠- نقلا عن كتاب (حكم اللحوم المستوردة) للدكتور محمد أبو فارس، ص (٣٥، ٣٦، ٥٠)