للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثال القسم الرابع: النظر إلى المخطوبة والمستأمنة (المملوكة عند التقليب) . النظر إلى المشهود عليها والشريكة في المعاملات. فعل ذوات الأسباب (النافلة لسبب) وقت النهي. كلمة حق عند سلطان جائر. حكم هذا القسم: أنه مأذون فيه مأمور به ويتردد حكمه بين الإباحة والندب

والوجوب بحسب درجة المصلحة وأهميتها. وقد عقد ابن القيم –رحمه الله- أوجها هي عبارة عن أمثلة من الكتاب والسنة، للتدليل على منع القسمين الثاني والثالث اللذين جرى فيهما خلاف بين العلماء وتباين في المدارك والأنظار، وأوصلها إلى تسعة وتسعين وجها مع الوقوف عند كل وجه وبيان ما فيه (١) . وقسم شيخ الإسلام ابن عاشور الذرائع بحسب القطع بتوصيلها إلى الحرام إلى قسمين رئيسيين متبعا في ذلك –فيما يبدو- منهجه الخاص على النحو التالي: القسم الأول: لا يفارقه كونه ذريعة إلى فساد بحيث يكون مآله إلى الفاسد مطردًا، أي بحيث يكون الفساد من خاصة ماهيته.

حكم هذا القسم: هو من أصول التشريع في الشريعة وعليه بنيت أحكام كثيرة منصوصة ومعروفة مثل تحريم الخمر وغيره من الأحكام المعلومة. وهذا القسم هو الأصل المقيس عليه في هذا الباب.

القسم الثاني: قد يتخلف مآله إلى الفساد تخلفا قليلا أو كثيرًا، وهذا القسم قد كان سببا للتشريع المنصوص مثل: منع بيع الطعام قبل قبضه، وبعضه لم يحدث موجبه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أنظار الفقهاء فيه من بعده متخالفة، فربما اتفقوا على حكمه وربما اختلفوا، وذلك تابع لمقدار إيضاح الإفضاء إلى المفسدة وخفائه، وكثرته وقلته، ووجود معارض ما يقتضي إلغاء المفسدة وعدم المعارض، وتوقيت ذلك الإفضاء ودوامه (٢) .

مثال هذا القسم وحكمه: بيوع الآجال التي لها صور كثيرة والتي اختلفت أنظار أئمة المذاهب إليها:

فقال المالكية والحنابلة بمنعها وتبعهم الإمامية وخالفهم الشافعية والحنفية وتبعهم الظاهرية، ومنعها مالك لتذرع الناس بها كثيرا إلى إحلال معاملات الربا التي هي مفسدة.

وأخذ على مالك أنه يعتد بالتهمة في سد الذرائع، وليست التهمة سوى حكم بالظن أو الوهم.

والواقع أن مالكا لا يعتبر التهمة بذاتها ولا قصد الناس بذاته لولا دلالة ذلك على شيوع الفعل وانتشاره مما حول هذه البيوع إلا الإفضاء إلى مفسدة الربا المحرمة.

فحكم مالك بمنع بيوع الآجال سدا لذريعة الربا لم يستند فيه أساسا لمجرد تهمة أو لقصد الناس، وإنما استند لوجوب درء مفسدة دل عليها دليل من حال الناس وتماليهم على إحلال المفسدة الممنوعة، وليس للمقصد أثر في تغيير الحكم لولا أنه كان دليلا على إقبال الناس على مفسدة وإحلال ممنوع، قالوا: ألا ترى أن من كانت عادته في الجاهلية المعاملة بالربا فأسلم، فحول معاملته إلى السلم وتمعش منه، لم يكن فعله ممنوعا ولو قصد إلى استبدال أرباحه من الربا بأرباحه من السلم، ما دامت قد سلمت معاملاته من مفسدة الربا، واشتملت على المصلحة التي لأجلها أبيح السلم. وليس في الشريعة نكاية بالعباد حتى تحرمهم من ربحهم الجاري على الطريقة المشروعة لأجل مقاصدهم.

ويبدو بجلاء أن في هذا الباب مجالا فسيحا للنظر والتروي وإعمال الفكر لأن لسد الذرائع جانبا آخر لا بد لمن يفتي الناس من مراعاته، زيادة على ما تفضي إليه الذريعة من مصلحة أو مفسدة وهو جانب النفس اللوامة والوازع الديني المعبر عنهما في لغة العامة بالضمير وعلى حسب هذا الوازع ضعفا وقوة يكون التوسع أو التضييق في سد الذرائع.

يقول شيخ الإسلام ابن عاشور ٠رحمه الله-: فيظهر لنا أن سد الذرائع قابل للتضييق والتوسع في اعتباره، بحسب ضعف الوازع في الناس وقوته (٣) .


(١) ابن القيم. إعلام الموقعين: ٣، ١٤٩-١٧١
(٢) ابن عاشور. مقاصد الشريعة: ١١٧
(٣) المرجع السابق: ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>