وليست كل الذرائع يجب سدها واعتبارها والاعتداد بها، وإنما يعتد لما اعتبره الشرع دون سواه، وما اعتبره الشرع يرجع في نظره إلى الموازنة بين ما في الفعل الذي هو ذريعة من المصلحة وما في مآله من المفسدة، وتستند هذه الموازنة إلى قاعدة تعارض المصالح والمفاسد التي هي راجعة إلى مقصد عام للشريعة الإسلامية في الإصلاح وإزالة الفساد.
وأخذ الشيخ على شهاب الدين القرافي أنه لم يبحث عن وجوب الاعتداد ببعض هذه الذرائع دون بعض.
ولئن لم يتحدث القرافي في (الفرق الرابع والتسعون والمائة: بين قاعدة ما يسد من الذرائع وقاعدة ما لا يسد منها) في مسألة الاعتداد ببعض هذه الذرائع دون بعض، وفقا لنظرة الموازنة بين ما في الفعل الذي هو ذريعة من مصلحة وما في مآله من مفسدة، فإنه بحث في المسألة من وجهة أخرى، هي وجود التهمة المتمثلة في إظهار ما يجوز لإخفاء ما لا يجوز، ونقل في ذلك ما جاء في الجواهر حيث قال: وضابط هذا الباب أن المتعاقدين إن كانا يقصدان إظهار ما يجوز ليتوصلا به إلى ما لا يجوز، فيفسخ العقد، إذا كثر القصد إليه اتفاقًا. وختم القرافي الفرق المذكور بهذه الحصيلة التي يراها الشيخ ابن عاشور -رحمه الله- كافية حيث قال القرافي –رحمه الله-: "والأصل أن ينظر: ما خرج من اليد وما خرج إليها، فإن جاز التعامل به صح، وإلا فلا. ولا تعتبر أقوالهما بل أفعالهما فقط. فهذا هو تلخيص الفرق بين الذرائع التي يجب سدها والذرائع التي لا يجب سدها"(١) .
(١) انظر كلام القرافي في آخر الفرق الرابع والتسعين ومائة