تناول الإمام (ابن قيم الجوزية) ، في كتابة (أعلام الموقعين) ، الذي هو أحد محاسنه على وجه الدهر، بحث (سد الذرائع) وأفاض القول فيه، ووسع العبارة، وزاد في الإسهاب والإطناب، وبالغ في التعمق والتدفق، حتى أورد تسعة وتسعين وجهًا، للدلالة على (سد الذرائع، والمنع منها، ثم قسمها إلى أربعة أقسام.
١- القسم الأول: ما وضع للإفضاء إلى المفسدة، كشرب الخمر المفضي إلى السكر، والزنى المفضي إلى اختلاط الأنساب وفساد الفراش.
٢- القسم الثاني: ما وضع للإفضاء إلى مباح، ولكن قصد به التوصل إلى مفسدة، كعقد النكاح المقصود به التحليل، وكعقد البيع الذي قصد به التوصل إلى الربا.
٣- القسم الثالث: ما وضع لمباح، لم يقصد به التوصل إلى مفسدة، ولكنه يفضي إليها غالبًا، ومفسدتها أرجح من مصلحتها، وذلك مثل سب آلهة المشركين في وجوههم وبين أظهرهم، وتزين المتوفى عنها زوجها في زمن العدة.
فهذه أفعال مباحة في الأصل، لما يترتب عليها من المصالح، ولم يقصد فاعلها بها مفسدة، ولكن مآلها في الغالب إلى مفسدة نهى الشرع عنها، وهذه المفاسد راجحة على مصلحة العقل.
٤- القسم الرابع: ما وضع لمباح، ولكنه قد يفضي إلى مفسدة، ومصلحته أرجح من مفسدته، كالنظر إلى وجه المخطوبة، والمشهود عليها (١) .
وهكذا يأخذ الفقيه الجليل (الذريعة) ، بمعناها الواسع، الشامل للأقسام الأربعة، ويقرر فقه الشريعة في (الذرائع) .