للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قيمة هذا البيع عند الفقهاء؟

إن الأمور إذا سارت علنية، على نحو ما وصفنا، أعني. إذا كان من المتفق عليه مقدمًا بين الطرفين إعادة بيع ما سبق شراؤه للشخص نفسه، فإن اتفاق الفقهاء إجماعي على إبطال هذا البيع، باعتباره بيعًا ربويًا، ولكن إذا كنا أمام عمليتين متتابعتين، دون أن نلاحظ فيهما تواطؤا، فهل يجب أن نعتبر العمليتين عملية واحدة؟ أليس من الممكن أن تكون هناك سوقان منفصلتان، يجوز أن تكون ثانيتهما مفروضة على إثر رجوع المشتري عن رأيه فجأة، بعد فوات الأوان، ندمًا على إبرامه الأولى؟

إن من الصعب، أن نحكم بيقين على النية الباطنة العميقة لدى الناس، ولكن كيف نحكم على قضية مشكلة من هذا القبيل؟

أما المالكية، فيرون أن هذا الكسب غير مشروع، وهو ربا؛ لأن السلعة قد جعلت ذريعة للربا، وجعل هؤلاء الأئمة من المالكية علة المنع من العقد، كثرة قصد الناس منه الوصول إلى الربا، وجعلوا المنع حكمًا مطردًا، من غير نظر، إلى من يقصد الربا ومن لا يقصده؛ لأن علة الحكم، يكفي فيها أن تكون مظنونة، ولا يشترط فيها أن تكون محققة.

وأما الشافعية: فيبيحونه ويقرونه شرعًا. ويقولون: إن كلا البيعين في ذاته جائز، يمكن أن تحصل المصلحة المقصودة من البيع، وينبغي حمل حال المسلم على الصلاح، وعدم القصد إلى الربا المحرم، وما لم يقم دليل زائد على مجرد العقد، يدل على القصد إلى الممنوع، كان العقد جائزًا، وأما الحنفية، فيرون أن العقد الأول جائز وصحيح، بخلاف العقد الثاني، فإنه فاسد من حيث إنه هو الذي يتحقق به معنى الربا.

والواقع أنه لو كان ممكنًا، أن نكشف ما يجري في فكر المتعاقدين، فلربما لم نشهد هذا الخلاف الواسع، ذلك أن مالكًا من ناحيته، لا يمنع في الأحوال الاعتيادية الطبيعية، أن يبيع المرء مرة أخرى نقدًا، وبسعر أقل مما سبق أن اشتراه غالبًا وبأجل، والشافعي من جانبه، لا يوافق على أن يجعل المرء من هاتين العمليتين، مجموعًا يستهدف به الربح الدنس، قصدًا ونية، فالمشكلة منحصرة في جمع العمليتين، فهو الذي يثير الاهتمام بأن لدى صاحبيها قصدًا غير مشروع.

<<  <  ج: ص:  >  >>