خامسًا: تعامل الناس والحكومات مع التضخم البطيء والعالي:
وهنا أيضًا يصعب التعميم، ولا يتسع المجال للتفصيل؛ لأن سياسات التعامل مع التضخم تختلف اختلافًا كبيرًا جدًّا، حسب أسبابه، والظروف الاقتصادية، الداخلية والخارجية، والأوضاع السياسية، والاجتماعية، والأمنية، والأوضاع النقدية، وغير ذلك من عوامل تؤثر على كل بلد.
أما بالنسبة للتضخم البطيء، فإن الحكومات تتعامل معه، من خلال السياسات الاقتصادية عامة، والمالية والنقدية خاصة، حتى تزيل أسباب التضخم، أو تحدث تغييرات اقتصادية تقابلها. فمثلًا، قد تضغط على نقابات العمال للتخفيف من مطالبها بزيادات الأجور، أو قد ترفع الحد الإلزامي للاحتياطات، والحد الأدنى للسيولة لدى البنوك، أو تخفف، أو تمنع الحكومة من التمويل بالعجز (طبع أوراق نقدية) ، أو تضع القيود على الاستيراد، أو على التصدير، أو على صناعة البناء، أو ترفع معدلات الفائدة، أو تحد من المضاربات في الأسواق المالية، أو تزيد الضرائب، أو تسحب كميات من النقود من السوق ببيع سندات خزينة، أو تقيد استعمال الأرصدة المصرفية بالعملات الأجنبية، أو غير ذلك من لائحة طويلة من السياسات، والأغلب من مجموعة من الإجراءات المتعددة الاتجاهات.
أما تعامل الناس مع التضخم البطيء، فقلما يكون واضحًا إلا من خلال ردود فعلهم لملاحظة تدهور القوة الشرائية في أيديهم، وتتسم ردود الفعل هذه –في العادة- بسمة التأخر الزمني. فنرى العمال يطالبون بزيادة الأجور، وأصحاب البضائع يرفعون أسعار بضائعهم، وبائعي خدماتهم المباشرة يزيدون أسعار هذه الخدمات وغير ذلك من ردود الأفعال.
فإذا كان التضخم البطيء متوقعًا، فإن الناس – بدافع من الرشد الاقتصادي، وهو فرضية لا تتسم بالواقعية الكاملة- يضعون برامجهم المستقبلية حسبما يتوقعون. فنجد نسبة الربح ترتفع مثلًا في المرابحات الآجلة، كلما طال زمن استحقاق الدين، ونجد الناس يزيدون من مقدار الالتزامات الآجلة، كلما طال زمن استحقاق الدين، ونجد الناس يزيدون من مقدار الالتزامات الآجلة كالمهور ونحوها، ويرفعون الأجور في عقود الإجارة، وبخاصة الطويلة الأجل منها، وغير ذلك.