للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما النقود الورقية والفلوس (لا سيما ما كان منها من معادن خسيسة) فهي نقود ائتمانية، ومعنى ذلك أن تلك ليس لها أصل تنسب إليه أو تتصل به، فإن كانت مصنوعة من الورق، فإن رقعة تساوي في حجمها وألوانها الدولار ليس لها قيمته التبادلية أو قوته الشرائية، وكذلك الفلوس، فالفلس المصنوع من "النيكل" له قيمة تبادلية مستقلة عن معدنه فلا تكون قيمة وزنه من النيكل كقيمة ذلك الفلس، ثم إن هذا النوع من النقود (الائتمانية) ليس له قيمة استعمالية فالورق النقدي لا يؤكل ولا يتزين به ولا يستخدم لأي غرض نافع في الاستهلاك المباشر (١) .

وتستمد النقود الائتمانية قيمتها من مصدرين:

الأول: ختم السلطان؛ لأنها صادرة من المصرف المركزي في الدولة التي تلزم قوانينها المواطنين باستخدام تلك العملة وسيطًا للتبادل وأداة للمدفوعات الآجلة (٢) .

الثاني: ثقة الناس بها، فربما يكون عليها ختم السلطان إلا أن الناس لا يثقون بأن تلك العملة ستحافظ على قوتها الشرائية في المستقبل فيحجمون بقدر الطاقة (لأن في ذلك مخالفة للقانون) عن التعامل بها، وعكس ذلك صحيح، وقد سجل المؤرخون أن البلشفيك عندما استولوا على الحكم في روسيا ألغوا عملة القياصرة وأصدروا نقودًا خاصة بالحكومة الثورية، لكنهم أسرفوا في طباعة النقود حتى فقدت قوتها الشرائية لارتفاع معدلات التضخم، فصار الناس يعودون إلى استخدام عملة القياصرة رغم علمهم بأن الحكومة المخلوعة لن تعود أبدًا إلى الحكم، لكنهم ارتضوا تلك لعلمهم بأن الكمية الكلية منها لن تزيد ومن ثم ستحافظ نسبيًّا على قيمتها في التبادل مستقبلًا.

بعد هذا نقول: إن النقود التي نتعامل بها في يوم الناس هذا في كل أنحاء العالم (بلا استثناء) هي نقود ائتمانية تتميز بما يلي:

١- أن قيمتها مستمدة من قبول الناس لها وثقتهم أنها ستحافظ على قيمتها في المستقبل، ومن ختم السلطان عليها.

٢- ليس لها قيمة استعمالية البته، لا سيما عندما تكون على صفة حسابات في المصارف وأرقام في دفاتر البنوك.

٣- ليس لها معدن أو أصل تنسب إليه، فهي معنوية حتى لو طبعت على الورق أو على رقائق معدنية، ولم يعد لمفهوم "غطاء العملة" أي معنى أو فائدة عملية.

٤- أنها غير مرتبطة بالذهب أو الفضة، وإن نصت تعليمات صندوق النقد الدولي على أن أعضاءه يعرفون عملاتهم بوزن من المعدن النفيس (٣) .

٥- أن هناك جهة حكومية محددة (هي المصرف المركزي) تصدر العملة وتعلن لها سعر صرف تحرص على استقراره وعلى الدفاع عنه وتتبنى السياسات التي تدعمه، ولم يكن هذا معروفًا أو معهودًا أبدًا فيما مضى، فهو من سمات نظم الإصدار النقدي الحديثة ولهذا التطور آثار بالغة الأهمية كما سيظهر فيما بعد.


(١) ورب قائل: إن النقود المغشوشة هي نوع ثالث من النقود والجواب أنها تتبع ما غلب عليها أي الغش أو السلامة منه
(٢) Legal Tender
(٣) ومعلوم أنه لم يعد لصندوق النقد الدولي نفسه أثر في النظام النقدي العالمي إذ تحول (عمليًّا) منذ منتصف الثمانينات إلى مؤسسة للإقراض

<<  <  ج: ص:  >  >>