للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما في الفلوس فإنها إذا عدم التعامل بها ذهبت المثلية كمائة حاوية من التفاح مملوءة يقابلها مائة حاوية من التفاح مملوءة، ولا يساويها مائة حاوية فارغة أو نصف مملوءة، والفلوس نظر الناس إليها لا باعتبار ذاتها وإنما باعتبار ما تحويه من قيمة، فإذا بطل التعامل بها ذهبت المثلية، إذ ألف فلس رائجة لا يماثلها ألف فلس لا تروج لا في وقت التعامل ولا عند حلول أجل الدين، فإذ كانت لا تساويها وقت التعامل فكيف تساويها وقت الأداء؟!

٢- أن النقود لا قيمة لها هو نفس السابق معبر عنه بصورة مختلفة إذ الحق النقود لها قيمة وقيمتها هي وظيفتها في تحقيق رغبات مالكيها.

٣- قياس كساد النقود على وضع المشتري لدابة فماتت أنها مصيبة نزلت به، وهذا قياس مع وجود الفارق، ذلك أن مشتري الدابة قد وضع عليها يده ودخلت في حوزه وانقطعت علاقة البائع بالمشتري بتمام الصفقة، وملك المشتري خراج ما اشتراه، فله غُنمه وعليه غُرمه شأن المالك، أما في الدين فإن العلاقة بين الدائن والمدين ثابتة وذمة المدين عامرة، نعم لو كسدت الفلوس بعد قبضها لصح القياس وما يكون أقرب في القياس هو أن يقاس هذا الوضع على مشتري الثمرة على رؤوس الأشجار على التبقية، فإذا أجيحت رجع المشتري على البائع بقيمة ما أجيح إن بلغ الثلث يوم الجائحة كما هو مذهب مالك (١) .

٤- ما ألزم به ابن رشد: من يقول بالرجوع للقيمة أنه يلزمه أن لا يجيز فسخ عقد بيع عوضاه عروض، وهذا غير لازم، وذلك لأن فسخ العقد إذا كان عوضاه عروضًا هو من باب الإقالة، والإقالة على الاختيار، فإذا اتفقا على الإقالة بأن يعود لكل ما دفعه ورضي بذلك فلا وجه للمنع منه، وأما في الوفاء بما في الذمة من النقود التي بطل التعامل بها فهو إلزام لأحد الطرفين في مقاطع الحقوق بقبول ما لا قيمة له.

وأما الإلزام الثاني: فالقائلون بالنظر إلى القيمة يلتزمونه، بل هم يقولون به ولا مانع منه، وإلزام المدين بأداء ما لم يلتزم به كلمة استعملت في غير حقيقتها، ذلك أن النقود لا تتعين بالتعيين، معنى هذا أن ذات النقد لا أثر له وإنما النظر للوظيفة التي يقوم بها النقد، فإذا بطلت وظيفته كان المساوي له في القيمة هو الذي تبرأ به الذمة.

وأما الإلزام الثالث: أنه إذا تغير المكيال والميزان يلزم منه أن يكون الوفاء بالمكيال الجديد، هذا الإلزام غير لازم أصلًا لأن إيجاد مكيال غير المكيال الأول لا ينعدم به المكيال الأول في التقدير ولا في المماثلة، بل يكون المكيال الجديد أو الميزان الجديد يحول الالتزام إلى ما هو أكثر أو أقل، بخلاف الاعتماد على العملة القديمة يفرغ المدين من دينه بشيء لا قيمة له، فالمكيال الجديد والميزان الجديد ظلم، والعدل هو الميزان والمكيال السابق، وذلك عكس الفلوس التي بطل التعامل بها، فالعدل قيمتها أو العملة المساوية لها التي حلت محلها، وهذا لا جور فيه على الدائن ولا على المدين لأنه دفع ما يساوي القيمة المتخلدة بذمته والتي استفاد منها.


(١) الزرقاني ج ٩ ص١٩٣؛ والموسوعة الفقهية ج ١٥ ص٧٠/٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>