للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كانت المسألة واردة بمثل هذا الوضوح والتأكيد كان قول علماء المالكية في أمهات كتب المذهب أن الفلوس تأخذ حكم الذهب والفضة. وأنه إذا عمرت بها ذمة فالواجب عند الأداء نفس العدد من الفلوس، كما هو الشأن في الدراهم والدنانير لا ينظر فيها إلى حوالة الأسواق، فقد جاء في التلقين للقاضي عبد الوهاب: ومن باع بنقد أو اقترض، ثم بطل التعامل به لم يكن عليه غيره إن وجد، وإلا فقيمته إن فقد (١) فصاحب التلقين أضاف صورة لم تأت في المدونة وهي: إذا ما انقطعت السكة وعدمت فهنا يجعل القيمة هي المرجع، ولم يوضح هل المراد قيمة النقود يوم تعمير الذمة أي عند عقد البيع والسلف أو عند حلول الأجل الذي هو يوم وجوب إبراء الذمة. أو هو يوم الانقطاع للسكة. أو هما معًا؟ وذكر ابن الجلاب الفصل ٧٧١ تبديل السكة: ومن اقترض دراهم، أو دنانير، أو فلوسًا أو باع بها وهي سكة معروفة، ثم غير السلطان السكة، وأبدلها بغيرها، فإنما عليه مثل السكة التي قبضها ولزمته يوم العقد. (٢)

وجاء في فتاوى أبي الوليد ابن رشد:

وسئل رضي الله عنه عن الدراهم والدنانير إذا قطعت السكة فيها. وأبدلت بسكة غيرها. ما الواجب في الديون والمعاملات المتقدمة وأشباه ذلك؟

فقال رضي الله عنه: المنصوص لأصحابنا ولغيرهم من أهل العلم رحمهم الله أنه لا يجب عليه إلا ما وقعت به المعاملة.

فقال له السائل: فإن بعض الفقهاء يقول: إنه لا يجب عليه إلا سكة متأخرة، لأن السلطان قطع تلك السكة وأبطلها فصارت كلا شيء، فقال وفقه الله: لا يلتفت إلى هذا القول، فليس بقول لأحد من أهل العلم، وهذا نقص لأحكام الإسلام، ومخالفة لكتاب الله تعالى وسنة النبي عليه السلام في النهي عن أكل المال بالباطل.

ويلزم هذا القائل:

١- أن يقول: إن بيع عرض بعرض أنه لا يجوز لمتبايعيه أن يتفاسخا العقد فيه بعد ثبوته.

٢- وأن يقول: إن من كانت عليه فلوس فقطعها السلطان وأجرى الذهب والفضة فقط أن عليه أحد النوعين وتبطل عنه الفلوس.

٣- وأن يقول: إن السلطان إذا أبطل المكايل بأصغر أو أكبر، والموازين بأنقص أو أوفى وقد وقعت المعاملة بينهما بالمكيال الأول أو الميزان الأول أنه ليس للمبتاع إلا بالكيل الآخر وإن كان أصغر، وأن على البائع الدفع بالثاني وإن كان أكبر وهذا مما لا خفاء ببطلانه. (٣)

نتبين من هذه الفتوى أن قضية الوفاء بما في الذمة من دين بسكة منقطعة قد أصبح يمثل إشكالًا، وأن هذا الواقع قد فرض نفسه على الناس لمعاودة النظر، وأن هذا النظر قد أدى إلى أن بعضهم – ولم يسم - قد نظر إلى هذا الواقع من جانب آخر واعتبر معطى أغفله من قبله هو أن السكة من خصائص السلطان، وأن السلطان مسئوليته هي العدل بين الناس، وأن لا يحدث من الترتيبات والتنظيمات والقوانين إلا ما يحقق العدل بينهم، فلا يظلم فريقًا ليؤثر فريقًا آخر.


(١) التلقين ص١١٢
(٢) التفريع ج ٢ ص١٥٨
(٣) الفتاوى ج١ ص٥٤٠/٥٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>