للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشهد لهذا قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة: ٨٣] {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: ٢٤٦] ، {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: ٢٤٩] ، {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: ٨٢] ، {وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: ٤٠] . وهكذا جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة فيها استثناء القليل وإبقاء الكثير.

فالأصل في الاستثناء إخراج القليل من حكم الكثير، وأما العكس أي: إخراج الكثير وإبقاء القليل في الحكم فقد عده كثير من أهل اللغة والفقه في حكم الاستثناء المستغرق الملغى كما تقدم.

وهذه بعض الفتاوى الفقهية في عدم اعتبار استثناء الأكثر: يقول الفقيه تقي الدين الفتوحي الحنبلي الشهير بابن النجار في كتابه منتهى الإرادات في باب الاستثناء: "ويصح في نصف فأقل من مطلقات وطلقات". (١)

أي إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق ثلاثًا إلا واحد. تقع طلقتان؛ لأنه استثنى أقل من النصف. وإن قال: أنت طالق ثلاثًا إلا ثنتين يقع ثلاثا، فيلغو الاستثناء ويبقى المستثنى منه كقوله: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثًا. هذا هو الاستثناء المستغرق الملغى فيقع ثلاث طلقات. هذا الاستثناء في الطلقات.

والاستثناء في عدد الزوجات المطلقات كذلك، فلو كان عند الزوج أربع نساء وقال: نسائي طوالق إلا واحدة، يقع الطلاق على ثلاث من زوجاته ويبقى له واحدة، وعليه بيان اسمها، وإذا قال: نسائي طوالق إلا ثنتين يقع الطلاق على زوجتين، ويبقى زوجتان في عصمته وعليه بيان اسمهما. أما إذا قال: نسائي طوالق إلا ثلاثا طلقن جميعا لأنه استثنى أكثر من النصف، كقوله: نسائي طوالق إلا أربعًا، طلقن جميعًا وهذا هو الاستثناء الملغى.

ويقول القرافي في كتاب الاستغناء "وقال الزيدي في شرح الجزولية مذهب البصريين: لا بد أن يكون المستثنى أقل مما بقي، وقال الكوفيون وبعض البصريين يجوز النصف، وأكثر الكوفيين وكثير من الفقهاء لا يجيزون الأكثر، وقد حكى أبو يعلى الحنبلي أن مذهب أحمد لا يصحح استثناء الأكثر، وحكاه الخرقي في كتاب الإقرار ونقله المازري عن عبد الملك بن الماجشون من المالكية" (٢)

وعند الحنفية اعتبروا أن ترك القليل من عدد أشواط طواف الزيارة (الإفاضة) لا يلغي هذا الركن عن الحاج وإنما يجبر النقص بدم ويتم حجه. يقول الميداني في اللباب شرح الكتاب (للقدوري) : ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها، ولم يطف بعده غيره، فعليه شاة؛ لأن النقصان بترك الأقل يسير، وإن ترك أربعة أشواط بقي محرمًا أبدًا في حق النساء حتى يطوفها. (٣)


(١) منتهى الإرادات لتقي الدين الفتوحي: ٢/٢٧١؛ تحقيق عبد الغني عبد الخالق، نشر عالم الكتب ١٣٨١/١٩٦٢.
(٢) الاستغناء مرجع سابق ص ٥٤٦؛ وأبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء شيخ الحنابلة في وقته (٣٨٠-٤٥٨) ؛ معجم المؤلفين: ٩/٢٥٤. الخرقي: أبو القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي الفقيه الحنبلي المتوفى ٣٣٤. معجم المؤلفين: ٧/٢٨٢. وابن الماجشون: عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون المدني فقيه مالكي متوفى ٢١٢. معجم المؤلفين: ٦/١٨٤
(٣) اللباب شرح الكتاب. عبد الغني الميداني، تحقيق محيي الدين عبد الحميد: ٢/٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>