للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكم التكليفي للاستثمار:

(تمهيد) لقد كثرت أقوال الاقتصاديين المسلمين في حكم الاستثمار شرعاً من حيث درجته التكليفية طلباً أو تخييراً، ويكادون يطبقون على أنه واجب بحسب ما فهموه من عمومات بعض النصوص الشرعية في ظل ما يورثه تجميد المال من محاذير، وما يفوته من مقاصد، وتكفي الإشارة إلى بعض المراجع المتناولة لهذا الاتجاه، فهو من الشهرة والتداول بحيث انطلقت به ألسنة بعض الفقهاء وأقلامهم أحياناً، وتهَيَّب بعضهم أن ينازع في هذه القضية التي عدها الاقتصاديون من المسلمات وتابعهم فيها من تابعهم، وما يحق للباحثين في الاقتصاد الإسلامي ذلك التسرع كما لا يقبل ممن هادنهم من الفقهاء هذا الإحجام في موقف يقتضي دوراً إيجابيًّا، وأستحضر هنا ما تقرر في أصول الفقه من أن الفتوى هي صناعة الفقيه ومن شروطها الأساسية ...

وما أكثر ما شوه بعض الناس مبادئ شرعية ناصعة بجعلهم بعض التقاليد أو المفاهيم المرتجلة جزءاً من الدين –تحرياً منهم لما ظنوه ورعاً أو تجميداً للشرع- فأوقعوا غيرهم في الانحراف عن نهج الشريعة المعتدل ورُوِّيَ ذلك الترددُ من بعض المختصين في الفقه في تحديد المشروع دون تزيد أو نقصان، ظناً بأن في القيام بأكثر من المطلوب ضماناً لتوافر المطلوب، وخشية من التغيير بأن يستتبع الميل للتفلت أو التساهل، مع أن دين الله بين الغالي والمقصر، ومما استأمن الله عليه الفقهاء أن ينكروا تحريم الحلال بمثل معارضتهم تحليل الحرام؛ لأن الأول أشد وأعسر في التصحيح، كما يعرف من التنديد في كتاب الله بأهل الجاهلية الذين حرموا ما أحل الله.

ونظراً إلى أن استثمار المال – في الاستعمال الفقهي- يرد تحت اسم الكسب أو الاكتساب، وأن الاستثمار ليس بالضرورة أن يكون محله المال الكثير الوفير، فقد يكون الاستثمار واجباً إذا كان هو الوسيلة لنموه بحيث يفي بحاجة الإنسان نفسه –بدلاً من سؤال الناس وتكففهم باليد السلفى- وإعالة من تجب عليه نفقتهم لان تضييع الشخص من يعولهم هو من حالات الإثم الكافية إدانته في الدنيا والآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>