أكرر ما سبق أن أشرت إليه في موضوع الحسابات الجارية من أن هيكل الحسابات المعمول به حاليا في البنوك الإسلامية قد لا يتفق مع الأحكام والقواعد والشروط التي تحكم عقود المعاملات في الشريعة الإسلامية.
فمن المعروف بالنسبة لهيكل الحسابات الاستثمارية في البنوك الإسلامية أن التكييف الفقهي لهذا النوع من الحسابات هو أنه عقد لشركة مضاربة. ويعتبر المودع وفقا لهذا العقد كشريك في ملكية على المشاع لصافي قيمة أصول البنك في لحظة الإيداع. ولأن هذا التكييف يختلف تماما عن التكييف القانوني لنفس هذا النوع من الحسابات في البنوك التقليدية والذي يعتبر كعقد قرض فكان من المنتظر أن تنعكس آثار هذا الاختلاف على طبيعة التعامل بين البنك وعملائه وبصفة خاصة فيما يتعلق ببعض الشروط التي يختص بها عقد المضاربة والتي من أهمها ما يلي:
١- عدم السماح بخلط أموال جديدة بالأموال القديمة في وعاء المضاربة بعد بدء النشاط سواء كان ذلك بإذن رب المال أو بدون إذنه. (١) .
٢- عدم السماح بالتخارج للعملاء وسحب أرصدة أموالهم المودعة قبل انتهاء ونض المال نضا فعليا.
إلا أن الوضع القائم يشير بوضوح إلى ابتعاد البنوك تماما عن تطبيق هذين الشرطين حيث تقبل بصفة مستمرة أي حجم من الودائع المتدفقة عليها من العملاء بعد بدء النشاط. كما تستجيب لرغباتهم بسحب أرصدة ودائعهم الاستثمارية في أي وقت يشاؤون دون أن يرتبط بنض المال أو بتصفية عمليات المضاربة.
وقد ترتب على هذا الوضع خلط بين الأموال المستثمرة كما حدث تداخل بين الأرباح والخسائر المحققة خلال الفترات الزمنية المتتابعة وأصبح دخول وخروج المودعين غير مرتبط من قريب أو بعيد بفترة حياة المشاريع التي يديرها البنك، مما يتيح الفرصة لوقوع غبن غير يسير بين مختلف العملاء.
وما أود أن أضيفه بالنسبة لهذا الموضوع هو كما يلي:
أولا-من البديهي أن احتساب مراكز مالية مؤقتة _ أو ما يسمى بالنض الحكمي) لا يضمن منع وقوع الغبن الناشئ من خلط الأموال في الحسابات الاستثمارية وفقا لما يجري عليه العمل الآن وذلك لبقاء جزء من رأس المال غير ناضٍّ.
(١) انظر: المدونة الكبرى للإمام مالك ٤/٦٠. وانظر: الإمام النووي (روضة الطالبين) ٥/١٤٨؛ وانظر ابن قدامة المقدسي، (المغني) طبعة الرياض، ٥/١٦؛ وانظر: أيضا الفتاوى الهندية، ٤/٣٠٩.